رائد السمي
تمثل مرحلة الطفولة الأساس الذي يُبنى عليه مستقبل الأفراد والمجتمعات، حيث تتشكل خلالها ملامح الشخصية والقدرات والمهارات اللازمة للمشاركة الفاعلة في التنمية. ومع كون الأطفال يشكلون نسبة كبيرة من المجتمع، فإن حمايتهم وضمان حقوقهم يُعد مسؤولية قانونية واجتماعية تقع على عاتق الدولة وكافة مؤسسات المجتمع.
وفي هذا الإطار، جاء نظام حماية الطفل في المملكة العربية السعودية كأداة تشريعية لحماية حقوق الأطفال وضمان سلامتهم ونمائهم في بيئة آمنة وصحية، متوافقًا مع أحكام الشريعة الإسلامية والاتفاقيات الدولية، ومنها اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، بما يعزز من التزام المملكة بتعزيز حقوق الأطفال وحمايتهم من كافة أشكال الإيذاء والاستغلال، وبناء مجتمع آمن ومستدام يكفل للطفل حقه في النمو والعيش الكريم.
أولًا: أهداف نظام حماية الطفل
يهدف النظام إلى:
نشر الوعي بحقوق الطفل وتعريفه بها.
حماية الطفل من جميع أشكال الإيذاء والإهمال.
التأكيد على الحقوق المقررة بموجب الشريعة الإسلامية والأنظمة والاتفاقيات الدولية المصادق عليها من المملكة.
ضمان تمتع الأطفال بالرعاية والحماية، وتهيئة بيئة صالحة للنمو الجسدي والنفسي والاجتماعي.
ثانيًا: مفهوم الإيذاء والإهمال
أوضحت المادة الثالثة من النظام أنواع الإيذاء والإهمال التي تُعد تهديدًا لحقوق الطفل وسلامته، وتشمل:
إبقاء الطفل دون سند عائلي.
عدم استخراج أو حجب الوثائق الثبوتية للطفل.
عدم استكمال التطعيمات الصحية الأساسية.
التسبب في انقطاع الطفل عن التعليم.
وجود الطفل في بيئة تعرضه للخطر أو التحرش أو الاستغلال الجنسي أو المادي أو الإجرامي.
سوء معاملة الطفل أو إهماله بما يؤثر على صحته وسلامته النفسية والجسدية.
ثالثًا: حماية الطفل من مخاطر الانحراف
أكدت المادة الرابعة على حالات قد تجعل الطفل عرضة للانحراف، ومنها:
ممارسة التسول أو أي عمل غير مشروع.
الخروج عن سلطة الأبوين أو من يقوم على رعايته.
الاعتياد على الهروب من المنزل.
التردد على الأماكن المشبوهة.
الانخراط في أعمال الدعارة أو المخدرات.
ويهدف النظام إلى معالجة هذه الحالات من خلال التدخل الفوري لحماية الطفل وإعادة دمجه في بيئة آمنة.
رابعًا: حق الطفل في الحماية والرعاية
نصت المادة الخامسة على تمتع الطفل بأولوية الحماية والرعاية والإغاثة في جميع الأحوال، فيما أكدت المادة السادسة على توفير حماية الطفل من جميع أشكال الإيذاء أو الإهمال.
وفي حال عدم توفر البيئة الأسرية المناسبة، تتيح المادة السابعة حق الطفل في الرعاية البديلة من خلال الأسر الحاضنة أو مؤسسات الرعاية الاجتماعية لضمان حياة كريمة ومستقرة له.
خامسًا: المحظورات المتعلقة بحماية الطفل
حددت المواد (8-14) من النظام عددًا من المحظورات التي تهدف إلى حماية الطفل، ومنها:
حظر تشغيل الأطفال قبل سن (15) عامًا أو تكليفهم بأعمال تضر بصحتهم وسلامتهم.
حظر إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة أو الأنشطة العسكرية.
منع الاستغلال الجنسي للأطفال أو تعريضهم لأي شكل من أشكال الاستغلال.
منع استخدام الأطفال في إنتاج أو بيع أو تداول المواد المخدرة.
حظر بيع أو شراء التبغ ومشتقاته للأطفال أو استخدامهم في إنتاجها.
منع عرض مشاهد تشجع على التدخين أو محتويات غير لائقة.
عدم مشاركة الأطفال في السباقات أو الأنشطة التي تعرض سلامتهم للخطر.
حظر أي إجراءات طبية للجنين إلا في حالات الضرورة.
سادسًا: حماية حقوق الطفل في الرعاية الأسرية
أكدت المادة الخامسة عشرة مسؤولية الوالدين أو من يقوم على رعاية الطفل في توفير الرعاية والحماية له من الإيذاء والإهمال، وضمان حقه في الزيارة والاتصال في حالات انفصال الوالدين، مع مراعاة مصلحة الطفل في جميع الإجراءات المتخذة بشأنه وفق المادة السادسة عشرة، بما يعزز من استقراره النفسي والاجتماعي.
سابعًا: العقوبات المقررة لحماية الطفل
نصت المادة الثالثة والعشرون على عقوبات صارمة بحق من يرتكب أفعال الإيذاء أو الإهمال تجاه الأطفال، حيث يعاقب بالسجن لمدة تصل إلى سنتين، أو غرامة مالية تصل إلى (100,000) ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وتشدد العقوبات لتصل إلى السجن بين سنتين وخمس سنوات، وغرامة مالية بين (100,000) إلى (500,000) ريال في الحالات الآتية:
إذا كان الطفل من ذوي الإعاقة.
إذا وقع الإيذاء في أماكن العمل أو الدراسة أو الرعاية أو العبادة.
إذا كان مرتكب الإيذاء من المكلفين بتطبيق النظام.
إذا اقترن الإيذاء باستخدام السلاح.
إذا تعددت أفعال الإيذاء في الواقعة الواحدة.
وتجسد هذه العقوبات التزام المملكة بحماية حقوق الطفل وردع مرتكبي الانتهاكات ضده.
يمثل نظام حماية الطفل في المملكة العربية السعودية إطارًا قانونيًا متكاملًا لحماية الأطفال وضمان حقوقهم، إذ يعزز من توفير بيئة آمنة وصحية للأطفال، ويحميهم من جميع أشكال الإيذاء والإهمال والاستغلال، بما ينسجم مع أحكام الشريعة الإسلامية والتزامات المملكة الدولية.
ويؤكد النظام التزام الدولة ببناء مستقبل مستدام للأطفال، يضمن لهم التمتع بحقوقهم الكاملة في بيئة تراعي احتياجاتهم وتتيح لهم النمو والتطور ليكونوا أفرادًا فاعلين في مجتمع يحترم كرامتهم ويحميهم من جميع أشكال المخاطر، دعمًا لرؤية المملكة 2030 في بناء مجتمع حيوي وآمن للأجيال القادمة.