رائد السمي
يُعد نظام التنفيذ أمام ديوان المظالم من الأنظمة القضائية الجوهرية الهادفة إلى ضمان تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة عن محاكم ديوان المظالم بفعالية وسرعة، بما يعزز من تحقيق العدالة الإدارية ويرفع مستوى الثقة بالنظام القضائي في المملكة العربية السعودية. ويولي النظام أهمية خاصة للأحكام الصادرة ضد الجهات الحكومية مراعيًا طبيعتها السيادية، وذلك من خلال آليات قانونية تحقق التوازن بين سيادة القانون وحماية الحقوق الفردية، بما ينعكس إيجابًا على استقرار النظام القضائي والتزام الأجهزة الإدارية بتنفيذ الأحكام.
أولًا: المبادرة بالتنفيذ
أكد النظام في المادة الثانية على إلزام المحكوم عليه بالمبادرة إلى تنفيذ الأحكام النهائية والأحكام المشمولة بالنفاذ المعجل الصادرة عن محاكم ديوان المظالم، بما يعزز مبدأ الالتزام بالقانون ويضمن سرعة تنفيذ الأحكام القضائية.
ثانيًا: السندات التنفيذية
اشترطت المادة الرابعة لبدء التنفيذ الجبري ضرورة وجود سند تنفيذي لحق محدد المقدار حال الأداء، وشملت السندات التنفيذية:
الأحكام النهائية أو العاجلة الصادرة عن محاكم ديوان المظالم.
الأحكام الصادرة ضد الجهات الإدارية.
العقود والمحررات الموثقة.
أحكام المحكمين والأوراق التجارية.
ويضمن ذلك قيام عمليات التنفيذ على أسس نظامية واضحة تحمي الحقوق وتضمن سلامة الإجراءات.
ثالثًا: القرارات والأوامر القضائية
نصت المادة الخامسة على أن قرارات وأوامر المحكمة الصادرة أثناء التنفيذ تعتبر نهائية وغير قابلة للاعتراض، باستثناء الأحكام التي يجوز الاعتراض عليها أمام محكمة الاستئناف الإدارية وفق الإجراءات النظامية، بما يحقق الاستقرار النظامي ويوفر ضمانة لمراجعة القرارات النهائية.
رابعًا: إجراءات رفع طلب التنفيذ
تضمنت المادة السادسة اشتراط إيداع صحيفة طلب التنفيذ لدى المحكمة المختصة متضمنة بيانات طالب التنفيذ والسند التنفيذي ومرفقاته وفق اللائحة التنفيذية، لضمان تنظيم وسرعة سير إجراءات التنفيذ.
وبموجب المادة السابعة، تُقيّد الإدارة المختصة صحيفة طلب التنفيذ في حال استيفائها الشروط النظامية، وتُحال إلى دائرة التنفيذ المختصة. وفي حال عدم استيفاء الطلب، يمنح طالب التنفيذ مهلة قدرها (20) يومًا لاستكمال النواقص، مع إتاحة التظلم لرئيس المحكمة خلال (15) يومًا من قرار عدم القيد، ويكون قراره نهائيًا.
خامسًا: المطالبة بالأداء قبل التنفيذ
ألزمت المادة الثامنة صاحب الحق بالمطالبة بالأداء قبل رفع طلب التنفيذ خلال مدة لا تتجاوز عشر سنوات من اكتساب الحكم الصفة النهائية، مع اشتراط مرور (30) يومًا على المطالبة قبل قبول طلب التنفيذ، وخفض المدة إلى (5) أيام للأحكام العاجلة، بما يسهم في تقليل القضايا وتعزيز التسوية قبل اللجوء للتنفيذ الجبري.
سادسًا: التنفيذ ضد الجهات الإدارية
نظم النظام آليات تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الجهات الحكومية بمراعاة خصوصيتها، حيث نص على:
إصدار دائرة التنفيذ إنذارًا للجهة الإدارية للتنفيذ خلال (5) أيام في الأحكام العاجلة و(30) يومًا في غيرها، وفق المادة الحادية عشرة.
في حال عدم التنفيذ، تُصدر الدائرة أمرًا بالتنفيذ وفق المادة الثانية عشرة.
في حال كان سبب عدم التنفيذ عائدًا إلى وزارة المالية، يجيز المادة الثالثة عشرة توجيه إنذار للوزارة واتخاذ الإجراءات النظامية.
كما يجوز للجهة الإدارية طلب الإرشاد من دائرة التنفيذ قبل صدور أمر التنفيذ وفق المادة الرابعة عشرة.
سابعًا: التنفيذ لصالح الجهات الإدارية
أوضحت المادة السادسة عشرة إجراءات تنفيذ السندات لصالح الجهات الإدارية بإصدار أمر تنفيذ خلال (30) يومًا، وفي حال عدم التنفيذ، تمنح المادة السابعة عشرة دائرة التنفيذ صلاحية الإفصاح عن أموال المنفذ ضده وحجزها ومنعه من السفر، لضمان فعالية التنفيذ.
ثامنًا: الغرامات والعقوبات المرتبطة بالتنفيذ
أجازت المادة العشرون فرض غرامة يومية تصل إلى (10,000) ريال عن كل يوم تأخير في حال عدم التنفيذ خلال المهلة المحددة، باستثناء المبالغ المالية.
وأشارت المادة الحادية والثلاثون إلى عقوبات السجن والغرامة للموظفين الذين يتعمدون تعطيل التنفيذ، وتعد هذه الجرائم وفق المادة الثالثة والثلاثين من جرائم الفساد الموجبة للتوقيف لضمان هيبة النظام القضائي.
تاسعًا: إيقاف المهل وتأجيل التنفيذ
منحت المادة الثانية والعشرون الحق لدائرة التنفيذ بإيقاف المهل لمدة لا تتجاوز (6) أشهر لأسباب ملحة، كما يجوز للأطراف الاتفاق على وقف أو تمديد المهل بشرط عدم تجاوز (12) شهرًا.
عاشرًا: التخلي عن طلب التنفيذ
أوضحت المادة الرابعة والعشرون أنه يجوز لطالب التنفيذ التخلي عن طلبه في أي مرحلة، مع احتفاظه بحق تقديم طلب جديد في المستقبل، بما يعكس مرونة النظام.
الحادي عشر: منازعات التنفيذ والدعاوى الناشئة عنها
تنظم المواد الخامسة والعشرون والسادسة والعشرون والسابعة والعشرون منازعات التنفيذ وطلبات وقف التنفيذ، حيث تُقدم صحيفة المنازعة إلى المحكمة المختصة للفصل فيها، ويوقف التنفيذ حال وجود غموض لحين تفسير الحكم محل التنفيذ وفق المادة الثامنة والعشرين.
الثاني عشر: توثيق تعذر التنفيذ
في حال تعذر تنفيذ السند التنفيذي لأي سبب، تصدر دائرة التنفيذ حكمًا بتوثيق ذلك وفق المادة التاسعة والعشرين، مع التأكيد على أن عدم توفر الاعتمادات المالية لا يعد سببًا مقبولًا لتعذر التنفيذ، بما يضمن حماية الحقوق ومنع التهرب من الالتزامات.
يعد نظام التنفيذ أمام ديوان المظالم السعودي إطارًا قانونيًا متكاملًا لتعزيز تنفيذ الأحكام القضائية بفعالية وعدالة، مع مراعاة خصوصية الجهات الحكومية، وضمان حماية حقوق الأفراد، وفرض الجزاءات النظامية على المتقاعسين. ويعزز هذا النظام من مكانة المملكة في حماية الحقوق وضمان سيادة القانون وتحقيق العدالة الناجزة، بما يرفع من كفاءة النظام القضائي ويزيد من ثقة المواطنين والمستثمرين في البيئة العدلية للمملكة.