رائد السمي

النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية

النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية

النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية
النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية
النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية

انطلاقًا من اهتمامي بالقانون السعودي ودوره في بناء الدولة والمجتمع، وجدت من الضروري التعمق في دراسة النظام الأساسي للحكم، الذي صدر بأمر ملكي كريم من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز -رحمه الله- بتاريخ 27/8/1412هـ، ليكون وثيقة دستورية تنظم العلاقة بين السلطات، وتحدد مبادئ الدولة، وتكفل الحقوق العامة، مع ترسيخ الشريعة الإسلامية كمصدر لكل الأحكام.

يتكون النظام من 83 مادة موزعة على تسعة أبواب، عالجت الجوانب السياسية والإدارية والحقوقية للدولة، جامعًا بين ثبات المرجعية الدينية ومرونة التطور المؤسسي، مما يجعله نموذجًا متميزًا في العالم الإسلامي المعاصر.

 

الباب الأول: المبادئ العامة

افتتح النظام بالمادة الأولى:

“المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة، دينها الإسلام، ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ، ولغتها العربية، وعاصمتها الرياض.”

هذا النص يؤكد الهوية الدينية والسياسية والثقافية للدولة، ويجعل الشريعة الإسلامية مرجعًا أعلى للأنظمة والتشريعات، مع الحفاظ على اللغة العربية كركيزة للثقافة والهوية في مواجهة العولمة.

كما تناولت المواد (2-4) رموز الدولة من العلم والشعار واعتماد التقويم الهجري والأعياد الإسلامية، في تأكيد على الارتباط بهوية الأمة الإسلامية.

 

الباب الثاني: نظام الحكم

ينظم هذا الباب آلية انتقال الحكم وآليات البيعة والعلاقة بين الحاكم والمواطن:

المادة الخامسة (فقرة ب) نصت على أن الحكم في أبناء الملك المؤسس وأبناء الأبناء، وتم تعديلها لضمان عدم احتكار الحكم في فرع واحد.

المادة الخامسة (فقرة ج) عدلت لتصبح البيعة وفق نظام هيئة البيعة بدلاً من تعيين فردي، وهو تطور مؤسسي مهم.

المادة السادسة تناولت البيعة على كتاب الله وسنة رسوله والطاعة المشروطة.

المادة السابعة أكدت مرجعية الشريعة الإسلامية.

المادة الثامنة أرست مبادئ العدالة والشورى والمساواة وفق الشريعة، مما يجعل الحاكم راعيًا للحقوق لا متسلطًا على الناس.

الباب الثالث: مقومات المجتمع السعودي

يركز على القيم التي يقوم عليها المجتمع السعودي، ومن أبرزها:

المادة 13 التي جعلت التعليم وسيلة لغرس العقيدة الإسلامية، وتنمية الوطنية والمعارف.

تناولت المواد الأخرى قضايا رعاية الأسرة، البيئة، التكافل الاجتماعي، الرعاية الصحية، لتكريس دولة الرفاه الاجتماعي القائمة على القيم الإسلامية.

 

الأبواب (4-9): الاقتصاد، الحقوق، السلطات، المالية، الرقابة، الأحكام الختامية

الباب الرابع: المبادئ الاقتصادية

أكد ملكية الدولة للثروات الطبيعية لتحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية، وحماية الملكية الخاصة مع إمكانية نزعها للمصلحة العامة مقابل تعويض عادل (مادة 17).

الباب الخامس: الحقوق والواجبات العامة

شمل حماية الدولة لحقوق الإنسان وفق الشريعة، حرية التنقل، حرمة المساكن، الحق في التعليم والصحة والعمل، ضمن إطار يحفظ النظام العام ويتوافق مع الشريعة الإسلامية.

الباب السادس: سلطات الدولة

حدد السلطات الثلاث: القضائية، التنفيذية، التنظيمية، مع بقاء الملك رأسًا لهذه السلطات، مع تأكيد استقلال القضاء وخضوعه للشريعة الإسلامية وحدها.

الباب السابع: الشؤون المالية

وضع ضوابط إعداد الميزانية العامة وإدارة الأموال العامة لتحقيق المصلحة الوطنية، وتعزيز الشفافية المالية للدولة.

الباب الثامن: الأجهزة الرقابية

نظم عمل الأجهزة الرقابية مثل ديوان المراقبة وهيئة مكافحة الفساد لتعزيز النزاهة والشفافية داخل الدولة.

الباب التاسع: الأحكام الختامية

أكدت المادة (83) أن تعديل النظام الأساسي لا يتم إلا بأمر ملكي، مما يمنحه حصانة قانونية ويجعله دستورًا دائمًا غير خاضع للتغييرات العابرة.

 

إن النظام الأساسي للحكم ليس مجرد وثيقة قانونية، بل هو تجسيد عملي للعقيدة والقيم الإسلامية في صورة نظام قانوني شامل، استطاع أن يرسخ مبادئ العدالة والشورى والشفافية في إطار ديني ووطني، مع ضمان استقرار الدولة وحماية الحقوق.

لقد أسهم النظام، منذ صدوره، في بناء قاعدة مؤسسية قوية، وبرهن على مرونته وقدرته على التطوير دون المساس بالثوابت. ومع رؤية المملكة 2030، يظل النظام الأساسي للحكم المرجع الأعلى الذي تنطلق منه كل تطورات الدولة وتنميتها، ليبقى وثيقة استراتيجية وقانونية تُسهم في تحقيق التنمية المستدامة مع الحفاظ على الأصالة والقيم الإسلامية.