رائد السمي
تُعد السلطة القضائية إحدى الركائز الأساسية لأي مجتمع يطمح لتحقيق العدالة وصيانة الحقوق. ومن خلال متابعتي واهتمامي بالشأن القانوني، لامستُ عن قرب مدى العناية التي توليها المملكة العربية السعودية لتطوير القضاء وتعزيز دوره في حماية حقوق الإنسان، مستندة في ذلك إلى الشريعة الإسلامية بوصفها المصدر الأول للتشريع، وإلى الأنظمة الحديثة التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات.
أولًا: مبدأ استقلال القضاء في النظام السعودي
يحظى مبدأ استقلال القضاء بعناية واضحة في النظام الأساسي للحكم، حيث نصت المادة (46) على:
“القضاء سلطة مستقلة، ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية.”
ويعكس هذا النص بوضوح التزام المملكة باحترام استقلال القضاء كأحد أهم ضمانات العدالة.
كما تُدار المنظومة القضائية في المملكة من خلال مجموعة متنوعة من المحاكم تشمل:
المحاكم العامة
المحاكم الجزائية
محاكم الأحوال الشخصية
المحاكم التجارية
المحاكم العمالية
محاكم الاستئناف
المحكمة العليا
ويشرف المجلس الأعلى للقضاء على تنظيم عمل المحاكم، ومتابعة أداء القضاة، وضمان تعيينهم وفق معايير النزاهة والكفاءة، بما يعزز الشفافية في العمل القضائي.
ثانيًا: دعم رسمي لحقوق الإنسان
من المواقف التي عززت قناعتي بأهمية القضاء في صون الحقوق ما ورد عن معالي وزير العدل، رئيس المجلس الأعلى للقضاء، الشيخ الدكتور وليد بن محمد الصمعاني خلال زيارته إلى المحكمة العليا والمحكمة الاقتصادية في العاصمة البيلاروسية (مينسك) بتاريخ 27 سبتمبر 2019، حيث قال:
“القاضي السعودي يحفظ حقوق الإنسان ويصونها، وهناك العديد من القوانين في المملكة التي تنص على ذلك، وأعلاها النظام الأساسي للحكم، الذي أكد على حماية الدولة لحقوق الإنسان. كما أن الأنظمة الإجرائية القضائية زاخرة بالنصوص التي تضمن حقوق أطراف القضية في جميع مراحلها.”
ويجسد هذا التصريح التوجه الجاد للمملكة نحو تعزيز مكانة القضاء كضامن للحقوق والعدالة، ويعبّر عن فهم عميق للمسؤولية السامية التي يؤديها القضاة.
ثالثًا: ضمانات المحاكمة العادلة
من خلال اطلاعي على نظام الإجراءات الجزائية و نظام المرافعات الشرعية، يتضح أن النظام القضائي في المملكة يولي ضمانات المحاكمة العادلة أهمية كبيرة، ومن أبرز هذه الضمانات:
حق الدفاع
علنية الجلسات
مبدأ البراءة حتى تثبت الإدانة
إمكانية الاستئناف
منع الإكراه الجسدي والمعنوي
وهذه الضمانات لا تُعد نصوصًا قانونية فحسب، بل تعكس روح الشريعة الإسلامية القائمة على العدل والرحمة، وتنسجم مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان بشكل متوازن.
رابعًا: جهود المملكة في حماية حقوق الإنسان
حققت المملكة تقدمًا ملحوظًا في تعزيز حقوق الإنسان، ومن الأمثلة البارزة:
تأسيس هيئة حقوق الإنسان كمؤسسة رقابية مرتبطة بمجلس الوزراء.
دور الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في تقديم الدعم القانوني وتوثيق الانتهاكات.
انضمام المملكة لاتفاقيات دولية مثل:
اتفاقية حقوق الطفل
اتفاقية مناهضة التعذيب
اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة
كما أصدرت المملكة أنظمة محلية داعمة، مثل:
نظام مكافحة الاتجار بالأشخاص
نظام الحماية من الإيذاء
وهي مؤشرات واضحة على الإرادة الحقيقية لتوفير الحماية القانونية للأفراد.
خامسًا: التحول الرقمي وتيسير الوصول إلى العدالة
أحد الجوانب التي أراها تقدمًا نوعيًا في القضاء السعودي هو التحول الرقمي للخدمات العدلية ضمن رؤية المملكة 2030، حيث أطلقت وزارة العدل:
خدمة الترافع الإلكتروني
التوثيق الرقمي للعقود والوكالات
متابعة القضايا عبر المنصات الإلكترونية
تقديم الطلبات دون الحاجة لزيارة المحاكم
وقد أسهم هذا التحول في تقليل الوقت والجهد على المتقاضين، وزاد من كفاءة العمل القضائي، وسهّل على المواطنين والمقيمين الوصول إلى حقوقهم بيسر مع المحافظة على كرامتهم.
من خلال هذه القراءة المتواضعة، يتضح لي أن السلطة القضائية في المملكة العربية السعودية تُعد من الأعمدة الرئيسة في حماية حقوق الإنسان، مدعومة بأنظمة واضحة وتصريحات مسؤولة، مثل ما ورد عن معالي وزير العدل الدكتور وليد الصمعاني.
كما أن الجهود الإصلاحية المستمرة والتطورات التشريعية والإدارية والتحول الرقمي في قطاع العدالة كلها تؤكد على حرص المملكة على بناء قضاء عادل، نزيه، متطور، يضمن الحقوق ويحمي الكرامة، ويحقق أهداف رؤية المملكة 2030 في مجال العدالة وسيادة القانون.