رائد السمي
تُعد ولاية القاصر من أهم الأنظمة القانونية التي تهدف إلى حماية من لا يملك الأهلية الكاملة للتصرف في شؤونه، وقد نظم نظام الأحوال الشخصية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/73) وتاريخ 06/08/1443هـ، أحكام الولاية بما يحقق مقاصد الشريعة الإسلامية ويراعي مصلحة القاصر في نفسه وماله. وتبرز أهمية هذه الولاية بوصفها أداة لضمان الرعاية الشرعية والقانونية للقاصرين، وتعد من المبادئ الراسخة في النظام القانوني السعودي لدورها الحيوي في حماية القاصرين وضمان حقوقهم.
أولًا: تعريف القاصر
في الفقه الإسلامي، يُعرف القاصر بأنه من لم يبلغ الحلم أو بلغه ولكنه غير راشد.
أما في نظام الأحوال الشخصية، فقد نصت المادة (136) على أن:
“القاصر هو من لم يستكمل الأهلية بفقدها كليًا أو جزئيًا، ومن في حكمه وفق الأحكام المنظمة لذلك”.
ويشمل ذلك صغار السن الذين لم يبلغوا سن الرشد، أو من بلغوه مع عدم قدرتهم على إدارة شؤونهم المالية أو الشخصية بسبب عارض عقلي أو سلوكي.
ثانيًا: تعريف الولاية
لغة: مأخوذة من فعل “ولي” وتدل على القرب والقيام على شؤون الغير.
شرعًا: سلطة شرعية يقررها النظام لشخص يُمكّنه من التصرف على من هو دون الأهلية أو ناقصها حمايةً لمصالحه ورعايةً لشؤونه.
ثالثًا: أنواع الولاية
تنقسم الولاية إلى:
ولاية على النفس: وتشمل الإشراف على شؤون القاصر المتعلقة بتعليمه وإقامته ومعيشته دون التعارض مع حق الحضانة.
ولاية على المال: وتشمل إدارة شؤون مال القاصر وصيانته واستثماره وفق ما يحقق مصلحته.
وقد أقر نظام الأحوال الشخصية هذين النوعين، وأجاز اجتماعهما في شخص واحد.
رابعًا: الجهات المخولة بتولي شؤون القاصر
يتولى شؤون القاصر:
الولي: وهو الأب أو من تعينه المحكمة عند غيابه أو فقده للأهلية.
الوصي: من يعينه الأب في حال عجزه أو بعد وفاته، أو من تعينه المحكمة، على أن يلتزم بشروط الوصية وأحكام النظام.
خامسًا: شروط تعيين الولي أو الوصي
يشترط فيمن يُعيّن وليًا أو وصيًا:
أن يكون كامل الأهلية وأمينًا، قادرًا على إدارة الولاية.
اتحاد الدين مع القاصر إذا كان مسلمًا.
ألا يكون قد صدر بحقه حكم في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ما لم يُرد إليه اعتباره.
ألا يكون محكومًا عليه بالإعسار أو العزل من ولاية سابقة.
ألا توجد بينه وبين القاصر عداوة تُخشى منها المفسدة.
سادسًا: رقابة المحكمة
تخضع تصرفات الولي والوصي للرقابة القضائية، وتمتلك المحكمة صلاحية عزلهما إذا أخلّا بواجباتهما أو أضرّا بمصلحة القاصر أو فقدا أحد شروط الأهلية النظامية، تحقيقًا لحماية القاصر من أي استغلال أو تعسف.
سابعًا: حدود تصرفات الولي والوصي
يقيد النظام تصرفات الولي والوصي في أموال القاصر، فلا يجوز:
بيع عقار القاصر أو رهنه أو التنازل عنه أو استثماره في مشاريع تجارية إلا بإذن المحكمة.
نصت المادة (156) على ضرورة إيداع أموال القاصر في حسابات مصرفية باسمه تحت رقابة المحكمة.
ثامنًا: الهيئة العامة للولاية على أموال القاصرين ومن في حكمهم
أُنشئت هذه الهيئة بموجب المرسوم الملكي رقم (م/17) بتاريخ 13/03/1427هـ، بهدف:
حفظ أموال القاصرين وتنميتها ورعايتها.
الإشراف على أموال القاصرين عند غياب ولي مؤهل أو عند تعارض المصالح.
مراقبة تصرفات الأولياء والأوصياء ورفع التقارير للجهات القضائية.
إدارة واستثمار أموال القاصرين بما يحقق مصالحهم تحت رقابة مالية وإدارية صارمة.
وقد نص النظام على عدم الإخلال بصلاحيات الهيئة لضمان التكامل مع سلطة المحكمة.
تاسعًا: مثال قضائي
في حكم صادر عن المحكمة العامة بالرياض، قضت المحكمة بعزل ولي لإهماله إدارة أموال ابنه القاصر بما سبب ضررًا مباشرًا له، وأمرت بنقل إدارة المال إلى الهيئة العامة للولاية على أموال القاصرين، استنادًا إلى نظام الأحوال الشخصية ودور الهيئة الوارد في نظامها، حفاظًا على مصلحة القاصر ومنعًا لاستمرار الإضرار به.
عاشرًا: المقابل المالي للولي أو الوصي
الأصل في الولاية والوصاية أن تكون بلا أجر، إلا إذا نص الموصي على أجر مقبول، ويجوز للمحكمة بناءً على طلب الولي أو الوصي تحديد مكافأة عن عمل معين، وفقًا للمادة (142) من النظام.
حادي عشر: انتهاء الولاية أو الوصاية
تنتهي الولاية أو الوصاية في الحالات الآتية وفقًا للمادة (157):
بلوغ القاصر سن الرشد سليم العقل.
رفع الحجر عن المحجور عليه.
وفاة القاصر.
استرداد الأب أهليته.
عزل الوصي أو الولي أو قبول استقالته.
وفاة الوصي أو الولي أو فقد أهليته.
ثبوت فقد الوصي أو الولي أو غيابه.
انتهاء حالة فقد أو غياب المولى عليه.
ويستمر فرض الولاية أو الوصاية إذا كان القاصر ناقص الأهلية أو غير مأمون على أمواله حتى بعد بلوغه، بناءً على حكم المحكمة.
الخاتمة
تجسد أحكام ولاية القاصر في نظام الأحوال الشخصية السعودي حماية متكاملة لحقوق القاصرين في النفس والمال، وفق مبادئ الشريعة الإسلامية والأنظمة المرعية. وقد وضع المنظم ضوابط دقيقة وشروطًا واضحة لضمان كفاءة من تُعهد إليه الولاية، وأخضع تصرفات الأولياء والأوصياء للرقابة القضائية، مع تمكين الهيئة العامة للولاية على أموال القاصرين من ممارسة مهامها الإشرافية لضمان مصلحة القاصرين. ويعكس ذلك التكامل تطور المنظومة العدلية في المملكة، وسعيها لضمان حقوق القاصرين تمهيدًا لتمكينهم عند بلوغهم من إدارة شؤونهم بأمان واستقلالية.