رائد السمي
في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها القطاع الإعلامي عالميًا، أصبح الإعلام وسيلة رئيسة للاطلاع على المستجدات، ومنصة للتواصل وتبادل الأفكار والثقافات. ومن هذا المنطلق، حرصت المملكة العربية السعودية على تنظيم قطاع الإعلام عبر نظام المطبوعات والنشر الذي يشكل إطارًا قانونيًا شاملًا، ينظم عملية إنتاج وتوزيع وتداول المطبوعات، بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية ويحفظ مصالح الدولة وأمنها الثقافي والاجتماعي.
أولًا: الإطار العام للنظام والتراخيص
يهدف نظام المطبوعات والنشر إلى تنظيم أعمال النشر والتوزيع في المملكة، ويضع ضوابط واضحة لشروط النشر، والمسؤوليات القانونية، والإشراف، والعقوبات المترتبة على المخالفات.
مجالات تطبيق النظام:
وفق المادة الثانية من النظام، يشمل:
المطبوعات وخدمات الإعداد الطباعي.
المطابع والمكتبات.
الرسم، الخط، التصوير الفوتوغرافي.
استيراد وبيع وتأجير الأفلام وأشرطة الفيديو.
التسجيلات الصوتية والأسطوانات.
الإنتاج الإذاعي، التلفزيوني، السينمائي والمسرحي.
الاستديوهات الإذاعية والتلفزيونية.
مكاتب الإعلام الأجنبية ومراسلوها.
الدعاية، الإعلان، العلاقات العامة، النشر والتوزيع.
الخدمات الصحفية، إنتاج برامج الحاسب الآلي وبيعها أو تأجيرها.
الدراسات والاستشارات الإعلامية، النسخ والاستنساخ.
أي نشاط آخر تقترحه الوزارة ويقره رئيس مجلس الوزراء.
التراخيص:
أكدت المادة الرابعة ضرورة الحصول على ترخيص مسبق من الوزارة لمزاولة أي نشاط من الأنشطة السابقة، مع تحديد مدد الترخيص وتجديده وفق اللوائح التنفيذية، بما يحقق الانضباط في الممارسة ويضمن الجودة ويحمي حقوق المستفيدين.
شروط منح الترخيص (المادة الخامسة):
أن يكون المتقدم سعودي الجنسية.
ألا يقل عمره عن 25 عامًا (مع إمكانية الاستثناء من الوزير).
حسن السيرة والسلوك.
حاصل على مؤهل مناسب.
تنطبق الشروط على ممثلي الشركات.
تنظيم شروط عمل مكاتب الإعلام الأجنبية ومراسليها عبر اللوائح التنفيذية.
مطبوعات الجهات الرسمية:
تمنح المادة السادسة الجهات الحكومية، الجامعات، المؤسسات التعليمية والبحثية، والجمعيات الأدبية والثقافية الحق في نشر مطبوعاتها ضمن اختصاصها، وتحت مسؤوليتها المباشرة، تأكيدًا لدورها العلمي والثقافي في نشر المعرفة وتوثيق الدراسات.
ثانيًا: ضوابط النشر والمسؤولية القانونية
حرية النشر:
أكدت المادة الثامنة أن حرية الرأي مكفولة عبر وسائل النشر بما لا يخالف أحكام الشريعة والأنظمة.
المحظورات النظامية:
حددت المادة التاسعة المحظورات بوضوح، وتشمل:
مخالفة أحكام الشريعة والأنظمة النافذة.
الدعوة للإخلال بالأمن أو النظام العام.
خدمة مصالح أجنبية تتعارض مع المصالح الوطنية.
المساس بالسمعة أو الكرامة، أو الإساءة الشخصية لمفتي المملكة أو أعضاء هيئة كبار العلماء أو رجال الدولة أو الموظفين أو أي شخص طبيعي أو اعتباري.
إثارة النعرات وتشجيع الجريمة.
نشر وقائع التحقيقات أو المحاكمات دون إذن.
وذلك لتحقيق التوازن بين حرية التعبير والمسؤولية النظامية، وحماية المجتمع من الانحرافات الفكرية والسلوكية.
تصحيح الأخطاء:
ألزمت المادة 35 الصحف بتصحيح أي تصريح غير صحيح أو خبر خاطئ مجانًا بناءً على طلب صاحب الشأن في أول عدد لاحق، في ذات المكان الذي نشر فيه الخطأ، مع حق المتضرر في المطالبة بالتعويض.
سحب المطبوعات:
يجوز للوزارة سحب أي مطبوعة دون تعويض حال مخالفتها للمحظورات المنصوص عليها.
ثالثًا: العقوبات النظامية
حددت المادة 38 العقوبات على المخالفات، وتشمل:
غرامة مالية تصل إلى 500,000 ريال، وتضاعف عند التكرار.
إيقاف المخالف عن الكتابة أو المشاركة الإعلامية.
إغلاق أو حجب محل المخالفة مؤقتًا أو نهائيًا.
نشر اعتذار في ذات المطبوعة.
وفي حال الإساءة إلى الدين الإسلامي أو المساس بمصالح الدولة، ترفع اللجنة المختصة المخالفة إلى الوزير الذي يحيلها للملك لاتخاذ ما يحقق المصلحة العامة، سواء بإقامة دعوى أمام المحكمة المختصة أو اتخاذ ما يلزم.
يتضمن نظام المطبوعات والنشر (49) مادة تُغطي الجوانب التنظيمية والإجرائية للقطاع الإعلامي بالمملكة، محققًا التوازن بين حرية التعبير وحماية القيم الدينية والوطنية والنظام العام.
كما يعكس حرص الدولة على تنظيم التراخيص وتحديد المسؤوليات والحقوق، وفرض العقوبات الرادعة لتعزيز الانضباط المهني وضمان تقديم محتوى إعلامي مسؤول وموثوق.
وفي ظل التطورات الإعلامية المتسارعة عالميًا، يمثل النظام أداة فعّالة لضبط العمل الإعلامي، وتأسيس بيئة إعلامية مؤثرة وآمنة تدعم التنمية الوطنية، وتلتزم بالثوابت الشرعية والثقافية للمجتمع السعودي.

