رائد السمي

مزاد “إنفاذ”: الآلية والتنظيم والأثر القانوني

مزاد “إنفاذ”: الآلية والتنظيم والأثر القانوني

مزاد إنفاذ : الآلية والتنظيم والأثر القانوني
مزاد إنفاذ : الآلية والتنظيم والأثر القانوني
مزاد إنفاذ : الآلية والتنظيم والأثر القانوني

يُعد البيع القضائي عبر المزادات العلنية من الوسائل الجوهرية لتنفيذ الأحكام واستيفاء الحقوق، لاسيما عند تعذر الوفاء الطوعي من المدين. وفي هذا الإطار، أطلقت وزارة العدل السعودية منصة “مزاد إنفاذ” كأداة إلكترونية متخصصة في تصفية الأصول المنقولة وغير المنقولة وفق أحكام نظام التنفيذ. وتمثل هذه المنصة امتدادًا عمليًا للتنفيذ القضائي، وتعكس تطور البنية العدلية والرقمية في المملكة.

يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على الطبيعة النظامية لمزاد إنفاذ، وبيان مراحل المزاد وآلية العمل، وتحليل أثره القانوني والتنظيمي، مع الوقوف على أبرز التحديات العملية، وتقديم رؤية قانونية داعمة لهذا المسار العدلي الرقمي.

 

أولًا: التعريف النظامي بمنصة مزاد إنفاذ

مزاد إنفاذ هو منصة إلكترونية تابعة لـ”مركز الإسناد والتصفية – إنفاذ”، تُستخدم لعرض وبيع الأصول التي صدر بشأنها أوامر تنفيذ قضائية. تشمل هذه الأصول العقارات، السيارات، المعدات، البضائع، وأحيانًا حصص الشركات. ويهدف المزاد إلى تصفية الأصول بشكل علني ومنظم، بما يحقق العدالة ويعيد الحقوق لأصحابها في بيئة تتسم بالشفافية والرقابة القضائية.

 

ثانيًا: الأساس النظامي للمزاد القضائي

تستند مشروعية “مزاد إنفاذ” إلى الأطر النظامية التالية:

نظام التنفيذ الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/53) بتاريخ 13/8/1433هـ وتعديلاته.

اللائحة التنفيذية لنظام التنفيذ، التي نظمت إجراءات بيع الأموال المحجوزة.

تنظيم مركز الإسناد والتصفية (إنفاذ) الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم (625) بتاريخ 23/10/1441هـ.

وقد مكّنت هذه الأنظمة قاضي التنفيذ من الأمر ببيع أموال المدين المحجوزة عبر مزادات علنية تُدار تحت إشراف قضائي، وبمتابعة من جهات رقابية ذات اختصاص، بما في ذلك وزارة العدل وهيئة الزكاة والضرائب والجمارك.

 

ثالثًا: آلية البيع في مزاد إنفاذ ومراحله الإجرائية

تمر عملية البيع في مزاد إنفاذ بعدة مراحل متسلسلة ومنظمة، على النحو الآتي:

الحجز التنفيذي: يصدر قاضي التنفيذ أمرًا بالحجز على أموال المدين حال ثبوت المديونية وعدم السداد.

تقييم الأصل المحجوز: تُكلّف جهة مرخصة بإجراء التقييم الفني أو العقاري وفقًا لمعايير معتمدة.

إدراج المزاد في المنصة: يُنشر الإعلان على المنصة متضمنًا وصف الأصل، الموقع، السعر الابتدائي، الصور، والشروط النظامية للمشاركة.

المزايدة الإلكترونية: تبدأ المزايدة في الوقت المحدد وتستمر لمدة محددة وفق نوع الأصل.

الترسية: تُرسى المزايدة على أعلى مزايد مستوفٍ للشروط.

تحصيل الثمن وتحويله: يُلزم الراسي عليه المزاد بسداد الثمن خلال المهلة المحددة، ثم يُحوّل المبلغ لصالح الدائن بناءً على حكم التنفيذ.

المادة (50) من نظام التنفيذ:

نصّت على ضوابط الإعلان عن المزاد ومدته، واشتراط حضور مأمور التنفيذ، وعدم جواز البيع بأقل من القيمة المقدّرة، وبيّنت الإجراءات في حال عدم السداد من الراسي عليه المزاد، بما يحقق ضمانات العدالة والتنفيذ المنظم.

 

رابعًا: الأثر القانوني والتنظيمي لمزاد إنفاذ

يتسم “مزاد إنفاذ” بعدة مزايا قانونية وتنظيمية، من أبرزها:

الشفافية والعلنية: يُتاح المزاد للجمهور دون تمييز، ويُنشر عبر قناة إلكترونية موحدة، مما يمنع التواطؤ ويكفل تكافؤ الفرص.

التوثيق الرقمي الكامل: جميع مراحل الحجز والتقييم والترسية موثقة إلكترونيًا، مما يُعزز الحجية القانونية للإجراءات.

حفظ الحقوق: تُراعى حقوق كافة الأطراف (المدين، الدائن، المزايد) في إطار نظامي دقيق.

السرعة الإجرائية: يُساهم النظام الإلكتروني في تقليص المدة الزمنية بين الحجز والتنفيذ، ويُقلل من التراكمات القضائية.

 

خامسًا: التحديات التطبيقية في مزادات التنفيذ

رغم فعالية “مزاد إنفاذ”، إلا أن التطبيق العملي يُظهر عددًا من التحديات، منها:

ضعف الوعي بالإجراءات: بعض المشاركين لا يدركون متطلبات التسجيل أو مهلة السداد.

الاتفاقات الجانبية والتواطؤ: قد تقع محاولات للتلاعب خارج النظام، لا سيما في المزادات التجارية.

تفاوت التقييمات الفنية: يُحتج أحيانًا على عدم دقة السعر الابتدائي.

إشكاليات الحيازة: خصوصًا في حالات العقارات غير المفرغة أو المخازن التي لا تُخلى فورًا.

وتقتضي هذه التحديات جهودًا توعوية وتنظيمية مستمرة للحد من آثارها وتعزيز فاعلية المزاد.

 

سادسًا: رؤية قانونية تحليلية

من واقع المتابعة القانونية، يمكن القول بأن “مزاد إنفاذ” يمثّل تحولًا نوعيًا في مجال التنفيذ العدلي، حيث يجمع بين البنية التشريعية والرقمية، ويُمكن الأطراف من استيفاء حقوقهم بطريقة نظامية وآمنة. ويُعد المزاد أداةً تُمكّن الدائن من تنفيذ الحكم، وتُجنّب المدين المساومات غير العادلة، وتُفتح السوق أمام الجميع.

ويرى الكاتب أن من الضروري دعم المنصة بالمبادرات الآتية:

إشراك الممارسين القانونيين في شرح الإجراءات للمزاحمين الجدد.

تعزيز الشراكات مع الجهات التقييمية لضبط جودة التقييمات.

تطوير المحتوى الإعلامي للمنصة لتوضيح آليات المزاد ومزاياه.

 

تمثل منصة “مزاد إنفاذ” إحدى أبرز المبادرات العدلية في المملكة، حيث استطاعت أن تترجم أحكام التنفيذ إلى إجراءات عملية رقمية شفافة، تسهم في تحقيق العدالة الناجزة، وحفظ الحقوق، وتقليل المنازعات. وفي ظل التطور المتواصل في الأنظمة العدلية، يُنتظر أن تصبح هذه المنصات جزءًا لا يتجزأ من المنظومة القضائية، بما يعزز ثقة المجتمع ويُرسخ مبدأ سيادة القانون.