رائد السمي
يُعد الحكم الغيابي إحدى الآليات القانونية التي تستخدمها المحاكم في المملكة العربية السعودية لضمان سير العدالة في حال غياب أحد الأطراف عن حضور الجلسات. يعتمد صدور الحكم الغيابي على غياب المدعى عليه أو المتهم عن الجلسة دون مبرر مشروع، وتعتبر هذه الآلية ضرورية لتسريع الفصل في القضايا وحماية الحقوق من التعطيل. رغم ذلك، فإن الحكم الغيابي يخضع لعدة ضوابط وإجراءات لضمان حماية حقوق الأطراف المعنية وحق الدفاع، بما يتماشى مع الشفافية والعدالة في العملية القضائية.
في المملكة، تُنظم القوانين والأنظمة المختلفة مثل نظام المرافعات الشرعية، ونظام الإجراءات الجزائية، ونظام المحاكم التجارية شروط وإجراءات صدور الحكم الغيابي. في هذا المقال، سنتناول هذه الأنظمة ونوضح الشروط والإجراءات المتبعة في كل منها، إضافة إلى حقوق المتقاضين في مواجهة هذا النوع من الأحكام.
الحكم الغيابي في نظام المرافعات الشرعية
المرجع القانوني:
نظام المرافعات الشرعية يُعد المصدر الرئيس لتنظيم المنازعات المدنية والتجارية في المحاكم العامة.
شروط صدور الحكم الغيابي:
وفقًا للمادة (115) من نظام المرافعات الشرعية، يمكن للمحكمة إصدار حكم غيابي إذا تخلف المدعى عليه عن الحضور أو الدفاع بعد تبليغه قانونًا.
يجب أن يكون التبليغ قد تم بشكل قانوني، إما عبر الإعلان الرسمي أو أي وسيلة يحددها النظام، لضمان علم المدعى عليه بالدعوى.
يحق للمدعى عليه التقدم بطلب لإعادة النظر في الحكم الغيابي خلال مدة لا تتجاوز 30 يومًا من تاريخ تبليغه بالحكم، شريطة أن يقدم عذرًا مشروعًا للغياب.
إجراءات الإعلان والتبليغ:
يُطلب من المحكمة اتخاذ إجراءات تبليغ واضحة تضمن علم المدعى عليه بمواعيد الجلسات. قد يتم التبليغ عبر الصحف الرسمية أو عبر العنوان المسجل للمدعى عليه.
حقوق المدعى عليه بعد صدور الحكم الغيابي:
يمكن للمدعى عليه التظلم من الحكم الغيابي أو طلب إعادة النظر خلال المدة المحددة.
من حقه تقديم أسباب قوية مثل العذر المشروع أو عدم التبليغ القانوني.
الحكم الغيابي في نظام الإجراءات الجزائية
المرجع القانوني:
نظام الإجراءات الجزائية يحدد الحالات التي يجوز فيها صدور حكم غيابي في القضايا الجنائية.
شروط صدور الحكم الغيابي:
وفقًا للمادة (157) من نظام الإجراءات الجزائية، يمكن للمحكمة إصدار حكم غيابي في حال غياب المتهم عن الجلسة دون عذر مقبول.
يجب أن يكون المتهم قد تم تبليغه بموعد الجلسة بشكل صحيح وفقًا للإجراءات القانونية المعتمدة.
في الجرائم الخطيرة (مثل الجرائم الحدية أو الكبرى)، يُشترط عادةً حضور المتهم شخصيًا، وقد يُمنع إصدار حكم غيابي إلا في الحالات الاستثنائية.
إجراءات التبليغ:
يُطلب من الجهات المختصة اتخاذ إجراءات صارمة للتأكد من تبليغ المتهم بموعد الجلسة، سواء عبر الشرطة أو النيابة العامة.
حقوق المتهم:
يحق للمتهم أن يترافع ويقدم دفاعه الشخصي إذا حضر.
إذا صدر حكم غيابي دون تبليغ صحيح، يمكن للمتهم طلب إعادة المحاكمة.
الحكم الغيابي في نظام المحاكم التجارية
المرجع القانوني:
نظام المحاكم التجارية يعالج القضايا التجارية ويتضمن أحكامًا خاصة بشأن إصدار الحكم الغيابي.
شروط صدور الحكم الغيابي:
تنص المادة (53) من نظام المحاكم التجارية على أنه يمكن إصدار حكم غيابي إذا تخلف المدعى عليه عن الحضور بعد تبليغه بشكل صحيح.
يجب أن يتم التبليغ وفقًا للقوانين المعمول بها، سواء عبر العنوان المسجل أو عبر وسيلة أخرى يقرها النظام.
إجراءات التبليغ:
تتم إجراءات التبليغ من خلال العنوان المسجل للمدعى عليه أو أي وسيلة أخرى تقرها المحكمة في حال تعذر التبليغ التقليدي.
حقوق الطرف الغائب:
يحق للطرف الغائب تقديم طلب لإعادة النظر في الحكم الغيابي خلال 30 يومًا من تاريخ تبليغه بالحكم.
يتوجب على الطرف الغائب إثبات وجود عذر مشروع للغياب.
التوافق والاختلاف بين الأنظمة الثلاثة في الحكم الغيابي
التوافق:
جميع الأنظمة تشترك في ضرورة تبليغ الطرف الغائب بموعد الجلسة بوسائل قانونية، وذلك لضمان علمه بالقضية وإجراءاتها.
تُمنح جميع الأطراف فرصة لتقديم اعتراض أو طلب إعادة النظر في الحكم الغيابي ضمن فترة زمنية محددة، غالبًا ما تكون 30 يومًا.
تسعى الأنظمة جميعها إلى حماية حق الدفاع وحقوق الأطراف في الدعوى.
الاختلاف:
في القضايا الجزائية، هناك تشديد أكبر على ضرورة حضور المتهم شخصيًا في القضايا الخطيرة، حيث لا يجوز إصدار حكم غيابي إلا في الحالات الاستثنائية.
نظام المحاكم التجارية يُركّز على تسريع الإجراءات القضائية، مما يسمح بتسهيل إجراءات التبليغ في القضايا التجارية.
بينما يُغطي نظام المرافعات الشرعية طيفًا أوسع من الدعاوى، بما في ذلك المدنية والأسرية، مما يتيح مزيدًا من المرونة في التعامل مع مختلف القضايا.
آليات حماية حقوق الأطراف في الحكم الغيابي
تُعد حماية حقوق الأطراف في الأحكام الغيابية جزءًا أساسيًا من النظام القضائي في المملكة العربية السعودية. وتشمل الآليات التي تضمن حماية هذه الحقوق ما يلي:
التبليغ القانوني الملزم: يجب أن يتم تبليغ الأطراف وفقًا للقوانين المعمول بها.
حق الاعتراض وإعادة النظر: يحق للطرف الغائب الاعتراض على الحكم وطلب إعادة النظر إذا كان هناك عذر مشروع.
إثبات العذر المشروع: يحق للطرف الغائب تقديم دليل على عذره المشروع للغياب.
مراقبة المحكمة لسلامة إجراءات التبليغ: على المحكمة مراقبة إجراءات التبليغ والتأكد من سلامتها لتجنب إصدار حكم غيابي غير مبرر.
يُعتبر الحكم الغيابي وسيلة قانونية هامة لضمان استمرارية العدالة وعدم تعطيلها بسبب غياب الأطراف، إلا أنه يتطلب اتخاذ إجراءات دقيقة لضمان حقوق الأطراف المتقاضية. يحدد النظام القضائي في المملكة العربية السعودية، من خلال أنظمته المختلفة (نظام المرافعات الشرعية، نظام الإجراءات الجزائية، ونظام المحاكم التجارية)، ضوابط صارمة لتنظيم صدور الأحكام الغيابية بما يحفظ حقوق الجميع. من المهم أن يكون المحامون والمتقاضون على دراية بهذه الضوابط لضمان حماية حقوقهم القانونية والدفاع عنها بفعالية.