رائد السمي

كيف تتعامل قانونيًا مع تأخير المحكمة أو النيابة العامة في السعودية؟

كيف تتعامل قانونيًا مع تأخير المحكمة أو النيابة العامة في السعودية؟

كيف تتعامل قانونيًا مع تأخير المحكمة أو النيابة العامة في السعودية؟
كيف تتعامل قانونيًا مع تأخير المحكمة أو النيابة العامة في السعودية؟
كيف تتعامل قانونيًا مع تأخير المحكمة أو النيابة العامة في السعودية؟

 

تُعد العدالة الناجزة من أهم ركائز النظام القضائي، وركنًا أساسيًا في دولة القانون. لذلك فإن تأخير المحاكم أو النيابة العامة في اتخاذ الإجراءات أو الفصل في القضايا يمثّل إخلالًا بحقوق المتقاضين، ويضعف الثقة في العدالة. ومع التطور العدلي في المملكة، أصبح من المهم معرفة الوسائل النظامية لتقديم الشكاوى ضد أي تأخير غير مبرر، وتحديد أوجه القصور القانوني، وسبل المعالجة النظامية لها.

 

أولًا: التكييف القانوني لتأخر المحكمة أو النيابة العامة

إن التأخير غير المبرر في الإجراءات العدلية قد يرقى إلى مستوى الإهمال الإداري أو الإخلال بالواجبات الوظيفية، وقد يُشكّل مساسًا بضمانات المتقاضين التي يكفلها النظام.

تأخر النيابة العامة

يُعد التباطؤ في التحقيق، أو التأخر في الإفراج، أو إطالة التوقيف، من صور القصور الإداري أو النظامي. وفي بعض الحالات، قد تتوافر مسؤولية تأديبية أو نظامية إذا نتج عن هذا التأخير ضرر على المتهم.

تأخر المحكمة

يخضع أداء القضاة للرقابة من قبل هيئة التفتيش القضائي التابعة للمجلس الأعلى للقضاء، ويُمكن – إذا ثبت القصور – توقيع عقوبات تأديبية بحق القاضي وفق المادة 66 من نظام القضاء، التي تنص على:

“العقوبات التأديبية التي يجوز توقيعها على القاضي هي: اللوم، وإنهاء الخدمة.”

الفرق بين التأخير المبرر وغير المبرر

تأخير مبرر: مثل التأجيل بطلب الخصوم، أو كثرة القضايا في المحكمة.

تأخير غير مبرر: مثل إهمال القضية لفترة طويلة دون إجراءات، أو عدم الرد على الطلبات والمذكرات.

 

ثانيًا: متى وكيف تقدم شكوى نظامية؟

أ) حالات تقديم الشكوى

يمكن للمتقاضي تقديم شكوى رسمية إذا توافرت إحدى الحالات الآتية:

تأخير الجلسات أو إصدار الحكم دون مبرر.

عدم الرد على المذكرات أو الطلبات المقدمة.

مخالفة القاضي أو النيابة للنظام أو الإجراءات.

تقصير في أداء الواجبات الوظيفية.

توقيف المتهم دون مسوغ قانوني أو بعد انتهاء المدة النظامية.

ب) آلية تقديم الشكوى

الشكوى ضد المحكمة أو القاضي:

تُقدَّم إلى المجلس الأعلى للقضاء عبر بوابته الإلكترونية.

شروط الشكوى:

بيانات مقدم الشكوى.

رقم القضية واسم المحكمة.

توضيح وقائع التأخير بالأدلة والتواريخ.

بيان الأثر الناتج عن التأخير.

(انظر: عبدالله الطيار، الرقابة القضائية في النظام السعودي، ص 143)

الشكوى ضد النيابة العامة:

تقدم مباشرة إلى:

رئيس فرع النيابة العامة كتابيًا.

أو عبر الموقع الإلكتروني للنيابة العامة.

أو إلى المجلس الأعلى للقضاء في حال تعلقت الشكوى بالإجراءات النظامية أو توقيف غير مبرر.

 

ثالثًا: موقف النظام السعودي من تأخير الإجراءات

أولى النظام السعودي عناية فائقة بسرعة الإجراءات القضائية والجزائية، ومن أبرز النصوص الداعمة لذلك:

المادة 114 من نظام الإجراءات الجزائية:

“يجب على النيابة العامة إحالة المتهم إلى المحكمة أو الإفراج عنه خلال مدة محددة، وإلا عُدَّ توقيفه غير مشروع.”

المادة 157 من نظام المرافعات الشرعية:

“على القاضي أن يفصل في الدعوى فور الانتهاء من المرافعة، أو يحدد موعدًا مباشرًا للنطق بالحكم.”

اللائحة التنفيذية (مادة 1/51):
تُخوّل القاضي بإنهاء التأجيلات إذا اتضح أنها تهدف إلى التعطيل، مما يحقق التوازن بين الحقوق الإجرائية للطرفين.

 

رابعًا: تجارب واقعية ورؤية شخصية

من واقع التجربة، يُلاحظ أن بعض المتقاضين يسيئون الظن بالجهاز القضائي بسبب طول أمد القضايا، في حين أن جزءًا كبيرًا من التأخير يعود إلى أسباب تنظيمية مثل الضغط العدلي، أو نقص الكوادر، أو الزخم الكبير في القضايا.

ورغم التقدم التقني الكبير الذي أحرزته وزارة العدل (مثل المحاكم الرقمية، والترافع الإلكتروني)، إلا أن بعض القضايا لا تزال تعاني من تأخيرات غير مبررة، حيث تبقى الملفات “قيد الإجراء” دون مواعيد واضحة.

رأي شخصي

أقترح أن يتم تفعيل آلية تقييم أداء القضاة والنيابة العامة من قِبل المتقاضين بعد انتهاء القضية، ضمن معايير موضوعية تحفظ هيبة القضاء وتُسهم في تحسين الأداء، على غرار تقييمات الخدمات الحكومية الأخرى.

 

خامسًا: التوصيات

رفع الوعي القانوني لدى المتقاضين حول حقهم في التقدم بشكوى نظامية عند التأخير غير المبرر.

تضمين مؤشرات أداء زمنية داخل الأنظمة العدلية تبين الحد الأقصى للفصل في كل نوع من القضايا.

تعديل نظام المرافعات الشرعية بإضافة مادة تنص على مدة محددة لإصدار الحكم بعد إقفال باب المرافعة.

إطلاق بوابة إلكترونية موحدة للشكوى ضد تأخير الإجراءات القضائية، تشمل تتبع الطلبات إلكترونيًا.

تعزيز التفتيش القضائي وتشجيع التحقيق في الشكاوى الجادة وتحفيز المحاكم على تحسين الأداء.

 

إن العدالة لا تكتمل إلا إذا اقترنت بالكفاءة الزمنية، فلا قيمة لحكم عادل يصدر بعد فوات الأوان. وقد كفل النظام السعودي للمواطنين والمقيمين حق التظلُّم من التأخير، ضمن ضوابط وإجراءات تحفظ هيبة القضاء وتضمن عدالة سريعة وفعّالة.

ورغم الجهود الملموسة من وزارة العدل في التحول الرقمي والتسريع الإجرائي، لا تزال بعض القضايا تعاني من تأخير غير مبرر. لذا، فإن ترسيخ ثقافة المساءلة النظامية والتشجيع على الشكوى الواعية والمنظمة، يُعدّ أمرًا جوهريًا في تعزيز جودة القضاء وتحقيق العدالة المنشودة.