رائد السمي

قضايا العمالة المنزلية في المملكة العربية السعودية: تنظيم قانوني في مسار العدالة

قضايا العمالة المنزلية في المملكة العربية السعودية: تنظيم قانوني في مسار العدالة

قضايا العمالة المنزلية في المملكة العربية السعودية: تنظيم قانوني في مسار العدالة
قضايا العمالة المنزلية في المملكة العربية السعودية: تنظيم قانوني في مسار العدالة
قضايا العمالة المنزلية في المملكة العربية السعودية: تنظيم قانوني في مسار العدالة

 

أولًا: في ظل التغيرات الاجتماعية والاقتصادية المتسارعة، أصبح الاعتماد على العمالة المنزلية جزءًا أساسيًا من منظومة الحياة اليومية في العديد من الأسر داخل المملكة العربية السعودية. وقد ترتب على هذا الاعتماد توسّع كبير في العلاقات التعاقدية بين أصحاب العمل والعاملين المنزليين.

إلا أن هذه العلاقة، على خلاف غيرها من العلاقات العمالية، عانت من ضعف التنظيم القانوني لفترات طويلة، مما جعل الطرف الأضعف – وهو العامل المنزلي – عرضة للاستغلال، في مقابل إشكالات واجهها أيضًا أصحاب العمل بسبب عدم التزام بعض العمال بالتعاقدات.

لذلك، ظهرت الحاجة إلى تدخل تشريعي متكامل ينظم العلاقة بين الطرفين ويحقق التوازن المطلوب، فصدرت لائحة تنظيم العمالة المنزلية ومن في حكمهم، وتم نقل اختصاص النظر القضائي في القضايا المتعلقة بها إلى المحاكم العمالية، تأكيدًا لحرص الدولة على تحقيق العدالة وضمان الحقوق.

 

ثانيًا: تطور الإطار القضائي لقضايا العمالة المنزلية

في السابق، كانت قضايا العمالة المنزلية تُحال إلى لجان ودية، ما كان يؤدي إلى بطء في الفصل وعدم فاعلية الإجراءات لغياب الصفة الإلزامية، خصوصًا مع جهل العديد من العمال بحقوقهم، وخوفهم من المطالبة بها.

ومع تنامي القضايا المتعلقة بالأجور والإجازات وسوء المعاملة، استدعت الحاجة إلى نقل تلك القضايا إلى جهات قضائية رسمية تتمتع بالاستقلال والاختصاص.

وفي 3 أكتوبر 2024م، أعلنت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بالتعاون مع وزارة العدل نقل اختصاص قضايا العمالة المنزلية إلى المحاكم العمالية، وهو ما شكل نقلة نوعية في حماية الحقوق وتعزيز مبدأ العدالة الرسمية.

 

ثالثًا: لائحة تنظيم العمالة المنزلية: أحكام تفصيلية لحماية العلاقة التعاقدية

أصدرت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية اللائحة المحدثة في ربيع الأول 1446هـ، متضمنة 33 مادة تنظم العلاقة بين العامل وصاحب العمل، وتضمنت أبرز المبادئ التالية:

العقد المكتوب (م7، م8)

ضرورة وجود عقد يوضح الحقوق والواجبات والأجر ومدة العقد. وفي حال غياب العقد، يمكن إثبات العلاقة بأي وسيلة قانونية، حمايةً للعامل.

فترة التجربة (م9)

تُمنح فترة تجربة لمدة 90 يومًا، يحق خلالها لأي من الطرفين إنهاء العقد دون التزام.

عدد ساعات العمل (م10)

يُحظر تشغيل العامل لأكثر من 10 ساعات يوميًا دون احتساب فترات الراحة، ضمانًا لصحته وسلامته.

الإجازات والتذاكر (م12)

يستحق العامل إجازة لمدة 30 يومًا بعد سنتين من الخدمة، مع تذكرة سفر، أو بدلاً نقديًا في حال عدم التمتع بها.

مكافأة نهاية الخدمة (م22)

يستحق العامل مكافأة شهر عن كل أربع سنوات من الخدمة المستمرة.

الجزاءات والحسم (م20)

لا يجوز الحسم من راتب العامل إلا في حالات محددة، وبحد أقصى 25% من الأجر الشهري.

التعويض عن إنهاء العقد دون سبب (م25)

إذا فُسخ العقد من أحد الطرفين دون سبب مشروع، يُلزم بدفع تعويض للطرف الآخر يعادل أجر شهرين.

 

رابعًا: المحاكم العمالية واختصاصها في النظر في النزاعات

لماذا نُقلت القضايا إلى المحاكم العمالية؟

لكونها جهات قضائية متخصصة تتبع وزارة العدل.

تُصدر أحكامًا ملزمة قابلة للاستئناف.

تضمن عدالة رسمية لا تقتصر على الحلول الودية.

آلية النظر في القضايا:

تقديم الشكوى عبر منصة وزارة الموارد البشرية.

محاولة تسوية النزاع وديًا.

في حال فشل التسوية، تُحال القضية إلكترونيًا إلى المحكمة العمالية المختصة.

هذه الخطوات تسهم في تسهيل الإجراءات وتمكين العامل وصاحب العمل من الوصول للعدالة دون تعقيد.

 

خامسًا: أنواع القضايا الشائعة في مجال العمالة المنزلية

تشمل النزاعات الأكثر شيوعًا ما يلي:

التأخر أو الامتناع عن دفع الأجور.

حرمان العامل من الإجازات النظامية.

تشغيل العامل لساعات مفرطة.

سوء المعاملة الجسدية أو النفسية.

إنهاء العلاقة التعاقدية دون مبرر أو تعويض.

تشغيل العامل لدى الغير دون إذن.

وتؤكد المادة (15) من اللائحة أن صاحب العمل يتحمل رسوم الإقامة ولا يجوز له تأجير العامل أو تكليفه بالعمل لدى الغير خارج القنوات النظامية.

 

سادسًا: التحديات العملية في التطبيق

رغم التقدم التشريعي، لا تزال هناك تحديات قائمة على أرض الواقع، مثل:

ضعف وعي بعض الأسر بأحكام النظام.

خوف العمالة من تقديم الشكاوى بسبب الترحيل أو الانتقام.

نقص المترجمين في بعض المحاكم.

ضعف الثقافة القانونية لدى بعض العمالة المستقدمة.

ولذلك، من المهم:

تعزيز التوعية المجتمعية بحقوق وواجبات الطرفين.

تنظيم ورش تدريبية للمكاتب الوسيطة.

تفعيل الرقابة الميدانية.

توفير الدعم اللغوي لتسهيل الإجراءات.

 

سابعًا: أثر التنظيم الجديد على الواقع العملي

أسهمت اللائحة والممارسات الجديدة في تحسين العلاقة التعاقدية بين الطرفين، وأبرز آثارها:

ارتفاع معدل توثيق العقود إلكترونيًا.

قبول دعاوى كانت تُرفض سابقًا لعدم الاختصاص.

تراجع في بعض المخالفات مثل التشغيل القسري وعدم منح الإجازات.

وقد نالت هذه التطورات إشادة من منظمات حقوقية دولية اعتبرتها خطوة نحو تعزيز العدالة المهنية للعمالة المنزلية.

 

ثامنًا: دور التكامل المؤسسي والرقمنة

يلعب التكامل بين الجهات المعنية دورًا محوريًا في إنجاح تنفيذ اللائحة، حيث تتعاون كل من:

وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية: في الإشراف والتنفيذ.

وزارة العدل: عبر المحاكم العمالية المتخصصة.

وزارة الداخلية: في متابعة أوضاع الإقامة والتأشيرات.

هيئة حقوق الإنسان: في رصد الانتهاكات.

السفارات والقنصليات: كجهات داعمة لرعاياها.

المنصات الحكومية مثل “مساند” و”ناجز”: لتسهيل التوثيق والمتابعة.

وقد أسهمت الرقمنة في تسريع الإجراءات وتقليل العوائق الإدارية.

 

تمثل العمالة المنزلية جزءًا مهمًا من النسيج المجتمعي في المملكة، ويعد تنظيم علاقتها التعاقدية ركيزة أساسية لضمان بيئة عمل عادلة ومستقرة. وقد شكّلت اللائحة النظامية، إلى جانب نقل الاختصاص للمحاكم العمالية، نقلة نوعية نحو تحقيق التوازن القانوني بين الحقوق والواجبات.

إلا أن التشريعات وحدها لا تكفي، فالوصول إلى بيئة عمل منزلية محترمة وآمنة يتطلب جهودًا مجتمعية متكاملة في التوعية والتطبيق والرقابة. وعندها فقط يمكن أن تتحقق العدالة بكافة أبعادها، بما يضمن الاستقرار للأسرة والمجتمع، ويعزز من مكانة المملكة في حماية حقوق الإنسان والعمالة.