رائد السمي

غسيل الأموال

غسيل الأموال

غسيل الأموال
غسيل الأموال
غسيل الأموال

تُعد جريمة غسل الأموال من أخطر الجرائم الاقتصادية التي تهدد استقرار الأنظمة المالية والاجتماعية، لما لها من آثار سلبية على الأمن المالي والاقتصادي للدول. إذ تستهدف هذه الجريمة إضفاء الصبغة الشرعية على الأموال المتحصلة من الأنشطة غير المشروعة، كالاتجار بالمخدرات والفساد والتهريب والجرائم المنظمة، مع السعي لإخفاء مصادر هذه الأموال للتهرب من الرقابة القانونية. ومع توسع الأنشطة الاقتصادية وتطور التقنيات المالية، أصبحت هذه الجريمة أكثر تعقيدًا وانتشارًا، مما يستدعي وضع آليات قانونية رقابية صارمة لمواجهتها على المستويين الوطني والدولي لضمان حماية النظام المالي وتعزيز استقرار الاقتصاد الوطني.

 

أولًا: تعريف غسل الأموال

يعرف غسل الأموال بأنه:

تحويل أو نقل أو إخفاء الأموال المتحصلة من أنشطة غير مشروعة بهدف إظهارها وكأنها مكتسبة من مصادر مشروعة وإخفاء حقيقتها والتهرب من الأنظمة القانونية.

 

ثانيًا: أدوات غسل الأموال

يعتمد مرتكبو جريمة غسل الأموال على وسائل وأدوات متعددة، من أبرزها:

شركات الدمى: كيانات قانونية صورية تستخدم لتحويل الأموال غير المشروعة إلى أموال ظاهريًا مشروعة.

الإقرار الجمركي المضلل: الإبلاغ بمبالغ كبيرة عند دخول الدول بينما تكون الأموال الحقيقية أقل، بغرض تسويغ الأموال لاحقًا.

الاستثمارات الوهمية: إيداع أموال كبيرة في حسابات مصرفية بحجة الاستثمار، ثم تحويلها لاحقًا.

الإيداع الجماعي: توزيع مبالغ نقدية على عدة أشخاص لإيداعها في بنوك مختلفة ثم تجميعها لتصريفها.

تجارة المجوهرات: استغلال عمليات بيع وشراء المجوهرات لخلط الأموال غير المشروعة مع الأموال الشرعية.

اقتناء التحف والمجوهرات: شراء أصول غالية الثمن وخفيفة الوزن للاحتفاظ بها أو بيعها وتحويلها إلى نقد لاحقًا.

 

ثالثًا: أركان جريمة غسل الأموال وفق النظام السعودي

وفق نظام مكافحة غسل الأموال (م/20 بتاريخ 5/2/1439 هـ)، يعد مرتكبًا لجريمة غسل الأموال من يقوم بأي من الأفعال الآتية:

تحويل أو نقل أو إجراء عمليات بالأموال مع العلم بمصدرها غير المشروع لغرض إخفاء أو تمويه حقيقتها أو مساعدة المتورطين في الجرائم الأصلية.

اكتساب أو حيازة أو استخدام الأموال مع العلم بأنها من متحصلات جريمة.

إخفاء أو تمويه طبيعة الأموال أو مصدرها أو حركتها أو ملكيتها أو الحقوق المرتبطة بها مع العلم بمصدرها غير المشروع.

الشروع أو الاشتراك أو تقديم المساعدة أو التحريض أو التوجيه أو التسهيل أو التستر أو التآمر في ارتكاب أي من الأفعال السابقة.

 

رابعًا: عناصر غسل الأموال

تتكون جريمة غسل الأموال من أربعة عناصر أساسية:

الأموال المحرمة: الأموال الناتجة عن جريمة.

المصدر الزائف: الذي يبتكره الجاني لإظهار الأموال بمظهر مشروع.

الأنشطة الخادعة: المستخدمة في خلط الأموال غير المشروعة مع الأموال المشروعة.

أطراف التنفيذ: الجهات أو الأشخاص الذين يقومون بعمليات غسل الأموال.

 

خامسًا: مجالات غسل الأموال

تتنوع الأنشطة المولدة للأموال غير المشروعة المستخدمة في غسل الأموال، ومن أبرزها:

الاتجار بالمخدرات والمؤثرات العقلية.

الاتجار بالأسلحة والذخائر.

جرائم الاتجار بالبشر والأعضاء والدعارة.

الفساد المالي والإداري.

المضاربات غير المشروعة في الأسواق المالية والعقارات.

العقود والمناقصات والمزادات غير النظامية.

تزوير العملات وتزييفها.

الإقراض الربوي.

 

سادسًا: أضرار وآثار غسل الأموال

تؤدي جرائم غسل الأموال إلى آثار ضارة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ومنها:

تقليل السيولة النقدية المتاحة لدعم الاقتصاد.

اضطراب أسعار الصرف وضعف قيمة العملة الوطنية.

حرمان الدولة من العوائد الضريبية وزيادة الإنفاق الحكومي لمكافحة الجريمة.

زيادة معدلات البطالة بهروب الاستثمارات.

إضعاف النظام المالي والمصرفي وتعريض البنوك لمخاطر السحب المفاجئ للأموال.

انتشار الرشوة داخل المؤسسات المالية.

 

سابعًا: العقوبات المقررة لجريمة غسل الأموال

يشمل نظام مكافحة غسل الأموال في المملكة فرض العقوبات التالية:

السجن: وفق تقدير المحكمة المختصة بناء على جسامة الجريمة.

الغرامة المالية: على مرتكبي الجريمة أو المتواطئين معهم.

 

ثامنًا: دور المملكة في مكافحة غسل الأموال

تتبنى المملكة العربية السعودية سياسات صارمة لمكافحة غسل الأموال، مستمدة من التزامها بأحكام الشريعة الإسلامية والاتفاقيات والتوصيات الدولية ذات الصلة، ومن أبرز الجهود:

إصدار وتحديث نظام مكافحة غسل الأموال ولائحته التنفيذية.

التزام البنوك وشركات التمويل وهيئة السوق المالية بتنفيذ آليات الرقابة للكشف عن عمليات غسل الأموال.

التعاون مع المنظمات الدولية مثل مجموعة العمل المالي (FATF).

 

تاسعًا: الإطار النظامي لمكافحة غسل الأموال

يرتكز الإطار النظامي السعودي لمكافحة غسل الأموال على:

نظام مكافحة غسل الأموال ولائحته التنفيذية.

نظام مراقبة البنوك.

نظام هيئة السوق المالية.

نظام الرقابة على شركات التأمين وشركات التمويل.

الالتزام بمعايير مجموعة العمل المالي (FATF) وتوصياتها.

 

عاشرًا: دور مجموعة العمل المالي (FATF)

تعد مجموعة العمل المالي (FATF) منظمة دولية تعمل على:

وضع معايير وإطار دولي لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وانتشار أسلحة الدمار الشامل.

تطوير السياسات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال دوليًا.

مساعدة الدول على تقييم المخاطر وتطبيق التدابير الوقائية اللازمة.

تعزيز الشفافية ومكافحة الجرائم المالية العابرة للحدود.

 

الحادي عشر: تقييم المخاطر في غسل الأموال

وفق توصيات FATF، يجب على الدول تحديد وتقييم وتحديث مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب بشكل مستمر، مع إلزام المؤسسات المالية والمهن غير المالية المحددة بإدارة تلك المخاطر، كما نصت المادة (5) من نظام مكافحة غسل الأموال على التزام الجهات الخاضعة بالاحتفاظ بسجلات المخاطر وتقديمها عند الطلب.

 

الثاني عشر: التحديات في مكافحة غسل الأموال

من أبرز التحديات التي تواجه جهود مكافحة غسل الأموال:

التطور السريع للتكنولوجيا المالية وصعوبة تتبع المعاملات الرقمية.

تعقيد الشبكات الإجرامية العابرة للحدود.

ضعف التعاون الدولي في بعض الأحيان.

نقص الخبرات التقنية والكفاءات المؤهلة في بعض الدول.

 

تعد جريمة غسل الأموال جريمة منظمة تهدد استقرار الاقتصادات والأمن المالي للدول، وتتطلب مواجهتها جهودًا تكاملية بين التشريعات الوطنية والتعاون الدولي والتقنيات الحديثة لضمان حماية النظام المالي. وإن التصدي لهذه الجريمة يعزز الثقة في النظام المالي ويمنع تمويل الجرائم المنظمة والإرهاب، مما يتطلب من الجهات الحكومية والمؤسسات المالية الاستمرار في تطوير أدواتها وقدراتها لتحقيق بيئة مالية آمنة ومستقرة، بما يتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 نحو بناء اقتصاد مستدام ومزدهر.