رائد السمي
جاء في كتاب الله عز وجل العديد من الآيات التي تُبين حرمة القتل وخطورته والعقوبات المترتبة عليه، منها قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى … وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 178-179).
فالقتل من أخطر الجرائم التي تهدد النفس البشرية وتزعزع الأمن والاستقرار، وتنبع أسبابه غالبًا من عدم التحكم في الغضب والجهل بأوامر الله ونواهيه.
أولاً: أنواع جريمة القتل وعقوبتها
القتل العمد
تعريفه: إزهاق روح إنسان معصوم عمدًا باستخدام وسيلة يغلب الظن أنها تؤدي إلى موته.
العقوبة: القصاص أو الدية المغلظة، ويكون العفو في هذه الحالة لولي الدم، إذ له الحق في العفو عن القصاص أو الدية أو كليهما.
دليل شرعي: قال تعالى:
{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا …} (النساء: 93).
أمثلة:
رمي شخص في نار أو ماء مغلي حتى الموت.
حبس شخص مع حيوان مفترس فيقتله.
الرجوع عن الشهادة بعد قتل المشهود عليه.
القتل شبه العمد
تعريفه: قصد الجاني الفعل دون قصد إزهاق الروح باستخدام أداة لا تُقتل غالبًا.
العقوبة: الدية المغلظة على عاقلة الجاني (ذويه) مع كفارة من مال الجاني.
دليل شرعي: قال النبي ﷺ:
“عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه.”
أمثلة:
الضرب بحجر صغير يؤدي إلى الوفاة.
الصراخ على شخص نائم للمزاح فيصاب بصدمة ويموت.
القتل الخطأ
تعريفه: إزهاق الروح دون قصد أثناء القيام بفعل مباح.
العقوبة: الدية المخففة على العاقلة وكفارة من مال الجاني.
دليل شرعي: قال تعالى:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً …} (النساء: 92).
أمثلة:
حفر بئر دون وضع علامات تحذيرية فيسقط فيها شخص ويموت.
ثانياً: الحق العام والحق الخاص في جريمة القتل
الحق العام
تعريفه: حق المجتمع في حماية الأمن والاستقرار، وتتبناه الدولة ممثلة في النيابة العامة.
خصائصه:
لا يسقط بعفو المجني عليه أو وليه.
يبدأ من تلقاء نفسه دون الحاجة لشكوى.
يهدف لحماية المجتمع والردع العام.
الحق الخاص
تعريفه: حق المجني عليه أو وليه في المطالبة بالعقوبة أو التعويض.
خصائصه:
يبدأ بناءً على شكوى أو طلب من المجني عليه أو وليه.
يسقط بعفو المجني عليه أو ولي الدم.
يتعلق بالدية أو القصاص في جريمة القتل.
ثالثاً: الفرق بين الحق العام والحق الخاص
وجه المقارنة | الحق العام | الحق الخاص |
صاحب الحق | المجتمع والدولة (النيابة العامة) | المجني عليه أو وليه وورثته |
بدء المطالبة | تلقائيًا دون شكوى | بناء على شكوى من المجني عليه أو وليه |
انقضاء الحق | – صدور حكم نهائي- عفو ولي الأمر- وفاة المتهم- التوبة إذا أسقطت العقوبة شرعًا | – صدور حكم نهائي- عفو المجني عليه أو وليه |
التنازل | لا يتم التنازل إلا بالعفو من ولي الأمر | يتم التنازل بعفو المجني عليه أو ورثته |
خاتمة
يتضح لنا من خلال ما سبق اهتمام الشريعة الإسلامية والنظام القضائي بحماية النفس البشرية، إذ جعلت النفس من الضروريات الخمس التي يجب المحافظة عليها، ورتبت العقوبات الشرعية والتنظيمية لضمان صونها وعدم التعدي عليها، وربطت بين الحق العام والحق الخاص لتحقيق العدالة الشاملة.
وعلى كل إنسان أن يضبط نفسه عند الغضب، ويراجع أفعاله وقراراته بما يرضي الله سبحانه وتعالى، وأن يتذكر أن القتل من حدود الله التي لا يجوز تجاوزها، وأن الله تعالى حدد عقوباتها في الدنيا والآخرة بما يحقق ردع الجناة وحماية المجتمع بإذن الله.