رائد السمي
في جميع المجتمعات، تُعد رعاية الفئات الضعيفة من أهم مؤشرات العدالة الاجتماعية ونضج الأنظمة القانونية، ومن أبرز هذه الفئات القصر الذين لا يمتلكون القدرة العقلية الكافية لإدارة شؤونهم واتخاذ قراراتهم بشكل سليم.
هؤلاء الأفراد، الذين يُشار إليهم بالقصر عقليًا، يحتاجون إلى رعاية قانونية من شخص مؤهل يتولى شؤونهم الحياتية والمالية ويمثلهم أمام الجهات الرسمية بما يحقق سلامتهم وحماية مصالحهم.
ونظرًا لحساسية هذه الفئة وأهمية حماية حقوقها، حرصت الشريعة الإسلامية والأنظمة السعودية على وضع تنظيم خاص للولاية لضمان أن يتولى شؤون القاصر شخص تتوفر فيه الصفات والشروط التي تؤهله لتحمل هذه المسؤولية الجسيمة، مع مراعاة أن الولاية أمانة تهدف إلى حماية القاصر ورعاية مصلحته.
أولًا: تعريف القاصر عقليًا
القاصر عقليًا:
هو الشخص الذي يعاني من عجز دائم أو مؤقت في الإدراك العقلي يمنعه من إدارة شؤونه المالية أو الشخصية بشكل سليم، فيصبح بحاجة إلى ولي يتولى إدارة شؤونه لحمايته وضمان مصلحته.
وتثبت حالة القصور العقلي عبر:
– تقارير طبية نفسية معتمدة.
– أو حكم قضائي من المحكمة المختصة.
يظل القاصر تحت الولاية حتى بلوغه سن الرشد (18 عامًا)، وقد تستمر الولاية بعد بلوغ هذا السن إذا كان فاقد الأهلية أو غير مأمون الجانب على أمواله.
ثانيًا: تعريف الولي ودوره
الولي هو:
الأب أو من تعينه المحكمة المختصة لإدارة شؤون القاصر وتمثيله أمام الجهات الرسمية.
وقد يكون:
ذكرًا أو أنثى.
شخصًا طبيعيًا أو اعتباريًا.
منفردًا أو متعددًا.
وتكمن مسؤولية الولي في حماية القاصر، إدارة أمواله، رعاية شؤونه الشخصية، وتمثيله قانونيًا، بما يحقق مصلحته ويحفظ حقوقه.
ثالثًا: شروط الولاية على القاصر عقليًا وفق النظام السعودي
حدد نظام الأحوال الشخصية السعودي (مادة 141) شروطًا دقيقة لضمان تولي الأصلح والأكفأ لهذه المسؤولية، ومن أبرز هذه الشروط:
كمال الأهلية: أن يكون الولي كامل الأهلية القانونية.
الأمانة وحسن السيرة: أن يكون أمينًا ذا سمعة حسنة في المجتمع.
القدرة على إدارة شؤون القاصر: أن يكون قادرًا على القيام بمتطلبات الولاية المكلف بها.
اتحاد الدين: إذا كان القاصر مسلمًا، يجب أن يكون الولي مسلمًا كذلك.
عدم وجود ضرر على مصلحة القاصر: ألا يكون في ولايته ما يُسبب ضررًا لمصلحة القاصر.
عدم الإدانة في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة: ما لم يُرد إليه اعتباره.
عدم العزل سابقًا من ولاية بسبب الإضرار بالقاصر أو التفريط في أمواله.
عدم وجود عداوة بين الولي والقاصر يخشى منها على مصلحة القاصر.
رابعًا: دور المحكمة في الإشراف على الولاية
تُعد المحكمة حجر الزاوية في الإشراف على شؤون القصر، إذ تقوم بـ:
* تقييم أهلية الولي قبل منحه حق الولاية.
* مراقبة تصرفات الولي والتأكد من التزامه بحماية مصالح القاصر.
* عزل الولي إذا أخلّ بواجباته أو ثبت سوء تصرفه أو لم يعد في ولايته مصلحة للقاصر.
*النظر في أي تصرفات مالية يقوم بها الولي لضمان حماية أموال القاصر.
بهذا الإشراف القضائي، تتحقق الثقة في عدالة الإجراءات وتُصان حقوق القاصر، مع التأكيد على أن مصلحة القاصر تبقى فوق كل اعتبار.
إن نظام الولاية على القاصر عقليًا في المملكة العربية السعودية لا يُعد مجرد إجراء شكلي، بل هو نظام متكامل يهدف إلى حماية فئة ضعيفة في المجتمع لا تملك القدرة على إدارة شؤونها أو الدفاع عن مصالحها.
وقد أقر النظام شروطًا دقيقة في الولي، تشمل الأهلية، الأمانة، وحسن السيرة، مع مراعاة مصلحة القاصر، لضمان أن يُعهد بهذه المهمة إلى من يؤديها بأمانة وعدل.
ويُبرز هذا النظام جانبًا مهمًا من العدالة الاجتماعية، حيث يعكس حرص الأنظمة السعودية على حماية حقوق جميع الأفراد بغض النظر عن حالتهم العقلية أو قدراتهم الذهنية، تحقيقًا لمبادئ العدالة والرحمة القانونية.
إن وعي المجتمع بشروط الولاية واحترامه لدور الجهات القضائية يسهم في بناء بيئة آمنة وعادلة، تُصان فيها حقوق القاصرين وتُحفظ مصالحهم، بما ينسجم مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030 في حماية الفئات المستحقة للرعاية وتحقيق العدالة الاجتماعية في جميع جوانب الحياة.