رائد السمي

حوكمة الشركات في المملكة العربية السعودية

حوكمة الشركات في المملكة العربية السعودية

حوكمة الشركات في المملكة العربية السعودية
حوكمة الشركات في المملكة العربية السعودية
حوكمة الشركات في المملكة العربية السعودية

أصبحت حوكمة الشركات ركيزة أساسية في البيئة الاقتصادية المعاصرة عالميًا، حيث تعزز الشفافية، وتدعم المساءلة، وتحمي حقوق أصحاب المصالح داخل الكيانات التجارية، خاصة مع تنامي الأسواق وتزايد التحديات الإدارية والرقابية. ولم يكن الاهتمام بالحوكمة وليد الصدفة، بل جاء نتيجة مباشرة للأزمات المالية العالمية التي كشفت عن ممارسات غير قانونية داخل بعض الشركات الكبرى مثل فضيحة “إنرون” و”وورلدكوم”، والتي أكدت الحاجة إلى أطر رقابية فعّالة للحد من الفساد المالي والإداري.

وفي المملكة العربية السعودية، شهد مفهوم الحوكمة تطورًا ملحوظًا مواكبًا لرؤية المملكة 2030، التي أولت الشفافية والحوكمة المؤسسية أهمية قصوى ضمن مستهدفات التحول الوطني لتحقيق التنمية المستدامة وجذب الاستثمارات.

أولًا: نشأة وتطور حوكمة الشركات

ظهر مصطلح حوكمة الشركات بوضوح في أواخر الثمانينيات مدفوعًا بسقوط شركات كبرى بسبب الفساد والغياب الرقابي، ما استلزم إعادة هيكلة نظم الإدارة لحماية حقوق المساهمين وتعزيز الشفافية وتقليل تضارب المصالح.

أما في المملكة العربية السعودية، فقد بدأ المسار التنظيمي للحوكمة مبكرًا مع نظام الشركات عام 1965، إلا أن الانطلاقة الجوهرية جاءت مع نظام الشركات الجديد 2022، الذي نص على قواعد واضحة تحمي حقوق المساهمين، وتعزز الشفافية، وتحقق بيئة رقابية عادلة وجاذبة للاستثمار.

 

ثانيًا: تعريف حوكمة الشركات

تُعرف حوكمة الشركات بأنها:

“مجموعة العلاقات التي تربط بين إدارة الشركة ومجلس الإدارة والمساهمين وأصحاب المصالح الآخرين من خلال أطر تنظيمية وقانونية تضمن التوازن بين مصالح جميع الأطراف وتحقيق الإدارة الرشيدة للشركة.”

وتتعدى الحوكمة كونها لوائح مكتوبة، لتكون ثقافة تنظيمية تمنع إساءة استخدام السلطة وتضمن العدالة والشفافية داخل الشركات.

 

ثالثًا: أهداف حوكمة الشركات

تهدف الحوكمة إلى:
تعزيز جودة اتخاذ القرار داخل الشركة.
حماية حقوق المساهمين وأصحاب المصالح.
تعزيز العدالة والمنافسة في الأسواق.
تحقيق الشفافية في التقارير المالية والإدارية.

 

رابعًا: الفرق بين الحوكمة والإدارة

الحوكمة: تركز على رسم السياسات العامة والإطار التنظيمي والرقابة الاستراتيجية، وهي مسؤولية مجالس الإدارة والمساهمين لضمان الامتثال والشفافية.

الإدارة: تُعنى بتنفيذ السياسات والإشراف على العمليات اليومية والتشغيلية لتحقيق الأهداف قصيرة المدى، وهي مسؤولية المديرين التنفيذيين.

:

“الحوكمة تجيب عن سؤال: هل نفعل الأمور الصحيحة؟ بينما الإدارة تجيب عن سؤال: هل نفعل الأمور بطريقة صحيحة؟”

 

خامسًا: أهمية حوكمة الشركات

على المستوى الاقتصادي:
تعزيز كفاءة الاقتصاد الوطني واستقرار الأسواق.
جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
زيادة الشفافية والمساءلة.

على مستوى الشركات:
سهولة الوصول إلى التمويل.
تقليل المخاطر التشغيلية والمالية.
تعزيز السمعة وثقة السوق.

على مستوى المستثمرين:
حماية الاستثمارات وتقليل فرص الفساد.
تحسين الإفصاح المالي.

على مستوى أصحاب المصالح:
تقوية العلاقة بين الشركة والموردين والعملاء.
دعم بيئة عمل مستقرة تعاونية.

على المستوى المؤسسي:
تعزيز ثقافة المساءلة والامتثال.
تطوير الرقابة الداخلية والتدقيق الفعال.

 

سادسًا: الآثار الإيجابية لتطبيق الحوكمة

عند الالتزام بتطبيق الحوكمة بفاعلية، تنعكس آثارها الإيجابية على الشركات من خلال:
تخفيف المخاطر المالية والتشغيلية.
تحسين تدفق رأس المال بفضل ثقة المستثمرين.
رفع جودة القرارات والتقارير الإدارية.
تعزيز استقرار الموظفين وزيادة ولائهم.
تقليل فرص الفساد وتضارب المصالح.

 

سابعًا: الإطار التشريعي والتنظيمي للحوكمة في السعودية

أرست المملكة أطرًا نظامية واضحة لتطبيق الحوكمة، أبرزها:
نظام الشركات الجديد لعام 2022: الإطار الأساسي لتنظيم العلاقات داخل الشركات.
لائحة حوكمة الشركات الصادرة عن هيئة السوق المالية: تُطبق على الشركات المدرجة، وتفرض معايير واضحة للإفصاح، تشكيل المجالس، والتقارير المالية.
لوائح هيئة الزكاة والضريبة والجمارك: لضمان الامتثال المالي والضريبي.
التوجيهات الصادرة عن الهيئة السعودية للمراجعين والمحاسبين والهيئة السعودية للمحامين في جوانب الامتثال القانوني والمهني.

 

تؤكد التجارب والدراسات أن حوكمة الشركات لم تعد خيارًا تنظيميًا، بل أصبحت ضرورة استراتيجية لضمان استدامة الشركات وتعزيز ثقة الأسواق والمستثمرين. وفي ظل توجه المملكة لتحقيق مستهدفات رؤية 2030، أصبحت الحوكمة مطلبًا وطنيًا لحماية الاستثمارات وتحقيق بيئة أعمال شفافة.

إن الاستثمار في الحوكمة هو استثمار في الثقة والشفافية والنجاح طويل الأجل، وهو ما تسعى المملكة لترسيخه على جميع المستويات النظامية والتشريعية والتنظيمية، لترتقي بقطاع الأعمال إلى مصاف الممارسات العالمية الأكثر احترافية وكفاءة.

تواصل معنا