رائد السمي

تنظيم المنطقة الخاصة اللوجستية المتكاملة: قراءة قانونية منهجية

تنظيم المنطقة الخاصة اللوجستية المتكاملة: قراءة قانونية منهجية

تنظيم المنطقة الخاصة اللوجستية المتكاملة: قراءة قانونية منهجية
تنظيم المنطقة الخاصة اللوجستية المتكاملة: قراءة قانونية منهجية
تنظيم المنطقة الخاصة اللوجستية المتكاملة: قراءة قانونية منهجية

أولًا: الإطار العام والتنظيم القانوني للمنطقة

يُعد تنظيم المنطقة الخاصة اللوجستية المتكاملة منظومة تشريعية تتضمن قواعد ولوائح تهدف إلى تطوير وتنظيم منطقة لوجستية خاصة متكاملة في مطار الملك خالد الدولي بالرياض، مع إتاحة التوسع مستقبلًا لإنشاء مناطق مماثلة في مواقع أخرى داخل المملكة. ويأتي هذا التنظيم ضمن جهود المملكة العربية السعودية لتعزيز البيئة الاستثمارية والأنشطة اللوجستية، تماشيًا مع رؤية 2030.

من الناحية القانونية، يُصنف هذا التنظيم ضمن “اللوائح التنظيمية” التي تصدرها السلطة التنظيمية في الدولة، ممثلة في مجلس الوزراء، والذي يتمتع بسلطتين: تنفيذية وتنظيمية (بالمشاركة مع مجلس الشورى). عادةً ما تصدر اللوائح التنظيمية لتنظيم مسائل محددة ابتداءً، دون أن تكون مرتبطة بتطبيق نظام قائم، ومع ذلك فإنها تظل أدنى مرتبة من الأنظمة الصادرة بأدوات تشريعية أعلى.

ما يميز تنظيم المنطقة الخاصة اللوجستية المتكاملة هو صدوره بأمر ملكي، بخلاف بقية اللوائح التنظيمية التي تصدر غالبًا بقرارات من مجلس الوزراء أو بقرارات وزارية. وتُعد الأوامر الملكية أقوى أدوات التشريع في المملكة، وتُستخدم عادة لإصدار الأنظمة الأساسية، بينما تصدر الأنظمة العادية بمراسيم ملكية. ويؤكد هذا الاختلاف في أداة الإصدار أن التنظيم يحمل طابعًا سياديًا خاصًا، وربما يعكس الأهمية الاستراتيجية للمنطقة وتضمنها استثناءات من بعض الأحكام النظامية العامة، مثل الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة أو بعض الإجراءات الجمركية.

كما صدر لهذا التنظيم لائحة تنفيذية من مجلس إدارة الهيئة العامة للطيران المدني، استنادًا إلى المادة (20) من التنظيم، والتي نصت على أن تصدر الجهة المختصة القواعد والقرارات التنفيذية بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة. وهذا يؤكد سلامة الإجراء النظامي في إصدار اللائحة التنفيذية استنادًا إلى تفويض صريح من التنظيم نفسه.

 

ثانيًا: آلية إنشاء المناطق والجهة المختصة

نصت المادة الثالثة من التنظيم على أن يتم إنشاء المنطقة الخاصة اللوجستية المتكاملة الأولى على أرض مطار الملك خالد الدولي بالرياض، وفقًا للموقع الجغرافي المحدد في الخريطة المرفقة بالتنظيم. كما أتاحت المادة إمكانية إنشاء مناطق أخرى مماثلة في أراضي مطارات المملكة، بموجب قرار يصدر من مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بناءً على اقتراح من الجهة المختصة.

ووفقًا للمادة الأولى من التنظيم، فإن الجهة المختصة هي الهيئة العامة للطيران المدني، والتي تتولى دور الإشراف والإدارة العامة للمنطقة، وتشمل اختصاصاتها بحسب المادة (12) ما يلي:

إصدار التراخيص والموافقات اللازمة للمنشآت الراغبة في ممارسة الأنشطة المحددة في المادة (6).

تحديد المقابل المالي وتحصيله، بما لا يقل عن المقابل النظامي المقرر.

الرقابة والتفتيش على المنشآت القائمة داخل المنطقة.

كما أتاحت المادة (4/2) للهيئة إمكانية إسناد بعض أعمال الإدارة والتطوير والإشراف إلى القطاع الخاص، مما يعكس توجه التنظيم نحو الشراكة مع القطاع الخاص في إدارة المشاريع الوطنية الكبرى.

 

ثالثًا: طبيعة الأنشطة المصرّح بها والاستثناءات النظامية

حددت المادة السادسة من التنظيم الأنشطة المسموح بممارستها داخل المنطقة الخاصة، بعد الحصول على التراخيص النظامية، وتشمل:

صيانة وإصلاح وتعديل وتطوير وتجميع وتخزين البضائع.

فرز وتعبئة وإعادة تغليف وتوزيع البضائع، والقيام بعمليات تصنيعية بسيطة.

أنشطة الاستيراد والتصدير وإعادة التصدير.

تقديم خدمات القيمة المضافة والخدمات اللوجستية وما بعد البيع.

إعادة تدوير النفايات والمخلفات الإلكترونية.

وتُعد هذه المنطقة خاضعة لاستثناءات نظامية مهمة، وردت في المواد السابعة والثامنة والحادية عشرة من التنظيم:

الاستثناءات الجمركية (المادة 7):

تُعامل البضائع في المنطقة على أنها في وضع تعليق جمركي، وبالتالي لا تُستحق عليها الرسوم الجمركية.

تخرج من وضع التعليق الجمركي عند نقلها إلى الأراضي الرئيسية.

الإعفاء من ضريبة القيمة المضافة (المادة 8):

لا تُستحق ضريبة القيمة المضافة على البضائع ما دامت في وضع تعليق جمركي.

يُعفى توريد البضائع بين المنطقة والأراضي الرئيسية لأغراض الإصلاح أو الصيانة أو خدمات ما بعد البيع.

الاستثناءات المالية (المادة 11):

لا تُفرض قيود مالية على المنشآت داخل المنطقة، مثل الاقتراض من الخارج أو تحويل الأرباح والعائدات أو استعادة رأس المال.

 

يمثل تنظيم المنطقة الخاصة اللوجستية المتكاملة خطوة نوعية في إطار تطوير البيئة الاقتصادية والاستثمارية في المملكة. ويُظهر التنظيم مستوى متقدمًا من المرونة القانونية والتكامل مع الاستراتيجية الوطنية اللوجستية، من خلال منح مزايا استثنائية وإطار تنظيمي مُخصص. كما أن صدوره بأمر ملكي يعكس أهمية هذه المنطقة من الناحية السيادية والاقتصادية، ويمهّد الطريق أمام إنشاء مناطق مماثلة في المستقبل، وفقًا لضوابط قانونية واضحة ورؤية استراتيجية طموحة.