رائد السمي

العضل في نظام الأحوال الشخصية السعودي

العضل في نظام الأحوال الشخصية السعودي

العضل في نظام الأحوال الشخصية السعودي
العضل في نظام الأحوال الشخصية السعودي
العضل في نظام الأحوال الشخصية السعودي

عمل نظام الأحوال الشخصية الصادر في المملكة العربية السعودية على معالجة العديد من المشكلات المرتبطة بتنظيم العلاقات الأسرية، ومن أبرزها قضية العضل، وهي إحدى صور التعسف في استعمال الولاية الشرعية من قِبل بعض الأولياء تجاه النساء، وذلك بمنعهن من الزواج دون مبرر شرعي.
وقد جاء النظام ليحسم هذه الممارسات المخالفة للشرع، ويكفل للمرأة حقها المشروع في اختيار شريك حياتها، وفق ضوابط الكفاءة والرضا، تحقيقًا للعدالة وصونًا للكرامة الإنسانية.

 

أولًا: تعريف العضل

عرف ابن قدامة – رحمه الله – العضل بأنه:

“منع المرأة من التزويج بكفئها إذا رغبت في ذلك، ورغب كل واحد منهما في الآخر”.

وقد نصت المادة (20) من نظام الأحوال الشخصية على هذا المعنى، حيث جاء فيها:

“إذا منع الولي -ولو كان الأب- موليته من الزواج بكفئها الذي رضيت به؛ تتولى المحكمة تزويج المرأة المعضولة بطلبٍ منها أو من ذي مصلحة، وللمحكمة نقل ولايتها لأي من الأولياء لمصلحة تراها، أو تفويض أحد المرخصين -وفق الأحكام النظامية- بإجراء العقد”.

يتضح من ذلك أن النظام اشترط أمرين لإثبات العضل:

الكفاءة.

رضا المرأة.

 

ثانيًا: أنواع العضل وحكمه في الشريعة والنظام

عضل المرأة بمنع تزويجها من كفئها

حكمه شرعًا: محرم، لقوله تعالى:

﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 232].

حكمه نظامًا: ممنوع صراحة بموجب المادة (20) من النظام كما سبق ذكره.

عضل الزوجة بالتضييق عليها حتى ترد المهر دون سبب مشروع

حكمه شرعًا: محرم، لقوله تعالى:

﴿وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ﴾ [النساء: 19].

 

ثالثًا: حكم زواج المرأة بدون ولي

اتفق جمهور العلماء (المالكية، الشافعية، والحنابلة) على بطلان زواج المرأة بدون ولي، واستدلوا بقوله تعالى:

﴿فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ﴾ [البقرة: 232].

وقد أقر النظام ذلك صراحة، حيث نصت المادة (13) من نظام الأحوال الشخصية على شروط صحة عقد الزواج، ومنها:

تعيين الزوجين.

رضا الزوجين.

الإيجاب من الولي.

شهادة شاهدين.

ألا تكون المرأة محرّمة على الرجل تحريمًا مؤبدًا أو مؤقتًا.

 

رابعًا: أسباب وقوع العضل

تتعدد أسباب العضل، ومن أبرزها:

الرغبة في السيطرة على قرارات المرأة.

الطمع في مالها أو إرثها.

وجود خلافات شخصية مع المخطوبة أو الخاطب.

عدم القناعة الشخصية بالخاطب دون وجود مبرر شرعي.

التمسك بالأعراف القبلية الرافضة للزواج من خارج العائلة رغم الكفاءة.

 

خامسًا: شروط قبول دعوى العضل

تُقبل دعوى العضل إذا توفرت الشروط التالية:

وجود منع فعلي من الولي عن تزويج المرأة.

تقدم خاطب كفء من الناحية الدينية والأخلاقية.

رضا المرأة بالخاطب.

ويُستند في ذلك إلى نص المادة (20) من نظام الأحوال الشخصية.

 

سادسًا: المحكمة المختصة بنظر دعاوى العضل

تختص محكمة الأحوال الشخصية بنظر دعاوى العضل، بموجب الفقرة (6) من المادة (33) من نظام المرافعات الشرعية، والتي نصت على:

“تزويج من لا ولي لها، أو من عضلها أولياؤها”.

وفي حال عدم وجود محكمة أحوال شخصية في المحافظة أو المركز، تنتقل الولاية إلى المحكمة العامة.

 

سابعًا: من يملك الحق في رفع دعوى العضل

حددت المادة (11) من اللائحة التنفيذية لنظام الأحوال الشخصية أصحاب الصفة في رفع دعوى العضل، وهم:

المرأة المعضولة.

أحد أقاربها.

وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.

 

ثامنًا: وجود خاطب في دعوى العضل

وفقًا للمادة (12) من اللائحة التنفيذية لنظام الأحوال الشخصية:

“لا يُشترط وجود خاطب لرفع دعوى العضل، ولا حضوره إذا وُجد”.

 

تاسعًا: أثر الحكم في العضل على باقي موليات العاضل

إذا ثبت عضل ولي المرأة، فإن الحكم يسري على جميع الموليات، ما لم يكن سبب العضل خاصًا بالمدعية، وذلك وفقًا للمادة (13) من اللائحة التنفيذية.

 

عاشرًا: إمكانية تولي العاضل العقد بعد الحكم بثبوت العضل

بحسب المادة (14) من لائحة النظام:

“لا يمنع الحكم بثبوت العضل من تولي العاضل عقد الزواج إذا رضيت المرأة المعضولة بذلك”.

 

الحادي عشر: مراعاة رأي المرأة في نقل الولاية

أكدت المادة (15) من اللائحة على أهمية أخذ رأي المرأة المعضولة عند نقل ولايتها:

“تراعي المحكمة رأي المرأة المعضولة عند نقل ولاية تزويجها إلى أي من الأولياء”.

 

إن العضل يُعد انتهاكًا صريحًا لحق المرأة في الزواج، ومخالفة شرعية ونظامية، تستوجب التدخل القضائي لإنصاف المرأة وتمكينها من حقوقها الشرعية. وقد أحسن المشرّع السعودي في تنظيم هذه المسألة تفصيلًا عبر نظام الأحوال الشخصية ولائحته التنفيذية، حيث أقر شروطًا واضحة، وسبلًا نظامية، لحماية النساء من صور العضل ومظاهره.

وتبقى مسؤولية التصدي لهذه الظاهرة مسؤولية دينية وقانونية واجتماعية مشتركة، تبدأ بالتوعية وتنتهي بتطبيق الأنظمة القضائية الرادعة، لضمان بيئة أسرية قائمة على العدل والكرامة.