رائد السمي
تشهد المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة نموًا متسارعًا في قطاع ريادة الأعمال، أسهم في بروز الشركات الناشئة (Startups) كأحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي والابتكار.
وتتميز هذه الشركات بأنها تُبنى غالبًا حول فكرة مبتكرة أو منتج تقني، وتبدأ صغيرة الحجم مع طموح كبير للنمو السريع في سوق ديناميكي. ونظرًا لاختلاف طبيعتها عن الشركات التقليدية، حرص المنظم السعودي على تطوير أطر تنظيمية مرنة تدعم إنشاء هذه الشركات، وتُيسّر تمويلها، وتمنحها المرونة اللازمة للنمو والاستدامة، بما ينسجم مع مستهدفات رؤية المملكة 2030.
أولًا: تعريف الشركات الناشئة وخصائصها
التعريف:
لا يوجد تعريف عالمي موحد، إلا أنه يمكن تعريف الشركات الناشئة بأنها:
“شركات حديثة التأسيس تعتمد على نموذج عمل مبتكر، غالبًا باستخدام التقنية، وتسعى لتحقيق نمو سريع في سوق غير مستقر.”
أبرز خصائص الشركات الناشئة:
رأس مال محدود في البداية.
الاعتماد على الابتكار أو التقنية.
قابلية النمو السريع والتوسع.
تحمل مستوى مرتفع من المخاطرة مقابل عوائد مرتفعة محتملة.
ثانيًا: الوضع النظامي للشركات الناشئة في السعودية
ضمن رؤية المملكة 2030، عملت المملكة على توفير بيئة تنظيمية ملائمة لدعم ريادة الأعمال، من خلال عدة أنظمة ومبادرات، من أهمها:
نظام الشركات الجديد (1443هـ):
الصادر بموجب المرسوم الملكي رقم (م/132) بتاريخ 1/12/1443هـ، ويهدف إلى تطوير بيئة الأعمال التجارية، ومن أبرز ملامحه:
السماح بتأسيس شركة الشخص الواحد (ذ.م.م)، مما يناسب رواد الأعمال الأفراد.
تبسيط إجراءات التأسيس وتقليل البيروقراطية.
استحداث “الشركة المساهمة المبسطة (SAS)” ككيان مرن يناسب الشركات الناشئة.
نظام الاستثمار الأجنبي:
يسمح للمستثمر الأجنبي بتأسيس شركات ناشئة داخل المملكة وفق ضوابط محددة، عبر الحصول على التراخيص من الهيئة العامة للاستثمار.
هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت):
الجهة الداعمة لرواد الأعمال، حيث توفر حاضنات الأعمال، التدريب، التمويل، والخدمات الاستشارية.
ثالثًا: الأشكال القانونية المناسبة للشركات الناشئة
تتنوع الأشكال القانونية المناسبة للشركات الناشئة في السعودية، ومن أبرزها:
المؤسسة الفردية:
سهلة التأسيس لكنها لا تفصل الذمة المالية لصاحب المشروع عن ذمة المنشأة.
شركة ذات مسؤولية محدودة (ذ.م.م):
الأكثر شيوعًا، وتفصل المسؤولية المالية، ويمكن تأسيسها من شخص واحد.
شركة مساهمة مبسطة (SAS):
مرنة جدًا، مناسبة للشركات التقنية، ولا تتطلب مجلس إدارة.
رابعًا: أبرز التحديات القانونية التي تواجه الشركات الناشئة
تواجه الشركات الناشئة في المملكة عددًا من التحديات القانونية، من أهمها:
حماية حقوق الملكية الفكرية، خاصة عند طرح أفكار مبتكرة في السوق.
تنظيم العلاقة القانونية بين الشركاء المؤسسين.
إعداد العقود القانونية (عقود التمويل، الشراكة، التوظيف) بشكل محكم.
الامتثال للأنظمة الضريبية واللوائح الحكومية.
معالجة قضايا الإفلاس أو التصفية المبكرة في حالة فشل المشروع تجاريًا.
خامسًا: نماذج الدعم والتمويل المخصص للشركات الناشئة
وفرت المملكة قنوات دعم وتمويل متنوعة لدعم الشركات الناشئة، من أبرزها:
صندوق منشآت للتمويل.
برامج التمويل المقدمة من بنك التنمية الاجتماعية.
برامج حاضنات ومسرعات الأعمال (مثل Flat6Labs، Misk، STC Inspire).
التمويل الجريء من شركات رأس المال المخاطر داخل المملكة.
سادسًا: مثال تطبيقي
شركة “جاهز“ تعد نموذجًا سعوديًا ناجحًا لشركة ناشئة في قطاع خدمات التوصيل، حيث بدأت كمشروع ناشئ بدعم من البيئة التنظيمية المرنة، ثم تحولت إلى شركة مساهمة عامة وأُدرجت في السوق المالية السعودية، مما يعكس فاعلية الأطر القانونية والتنظيمية الداعمة لريادة الأعمال في المملكة.
تمثل الشركات الناشئة ركيزة استراتيجية لدعم الاقتصاد الوطني وتنويعه، وقد حرصت الأنظمة السعودية على توفير البيئة النظامية المناسبة لدعم هذه الشركات، بما يعزز من استدامتها وقدرتها على الإسهام في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030.
ومع اتساع التشريعات الداعمة لريادة الأعمال، أصبح من الضروري للمؤسسين ورواد الأعمال الإلمام بالجوانب القانونية المنظمة لنشاط الشركات الناشئة، لضمان امتثالها، وحماية حقوقها، واستدامة عملياتها في السوق السعودي.