رائد السمي

الدفوع الشكلية في قانون المرافعات: دراسة تحليلية في المفهوم والتطبيق القضائي

الدفوع الشكلية في قانون المرافعات: دراسة تحليلية في المفهوم والتطبيق القضائي

الدفوع الشكلية في قانون المرافعات: دراسة تحليلية في المفهوم والتطبيق القضائي
الدفوع الشكلية في قانون المرافعات: دراسة تحليلية في المفهوم والتطبيق القضائي
الدفوع الشكلية في قانون المرافعات: دراسة تحليلية في المفهوم والتطبيق القضائي

مقدمة منهجية

تمثل الدفوع الشكلية في قانون المرافعات أداة أساسية لضمان العدالة الإجرائية، حيث لا يقتصر مفهوم العدالة على صحة الأحكام القضائية فحسب، بل يشمل أيضًا ضمان الطريق السليم للوصول إلى هذه الأحكام. وتبرز أهمية هذه الدفوع من كونها وسيلة قانونية تحمي الأفراد من أي مساس بحريتهم وحقوقهم دون الالتزام بالإجراءات النظامية المحددة، مما يعزز الثقة في القضاء ويضمن المساواة بين الأطراف المتقاضية.

 

تمهيد تاريخي

ظهر مفهوم الدفوع الشكلية منذ بدايات التنظيم القضائي في الحضارات القديمة، حيث بدأت في المجتمع اليوناني والروماني، مرورًا بالعصور الوسطى التي ميزت بين الحق في التقاضي والحق في المطالبة بالحق، وصولًا إلى الثورة الفرنسية التي رسخت فكرة “العدالة الشكلية” كوسيلة لحماية الأفراد من تعسف الدولة وضمان حرية التقاضي وفق إطار قانوني منظم.

ومع تطور الأنظمة القانونية، أصبح للدفوع الشكلية مكانة جوهرية في الأنظمة القضائية الحديثة، كونها تمثل ضمانة إجرائية تُكفل من خلالها العدالة، وتساهم في تحديد القواعد الإجرائية التي يجب اتباعها لضمان وصول الحقوق إلى أصحابها ضمن بيئة قضائية منظمة.

 

المبحث الأول: ماهية الدفوع الشكلية في قانون المرافعات والنظام السعودي

تعريف:
الدفوع الشكلية هي الوسائل القانونية التي يقدمها المدعى عليه للطعن في الإجراءات الشكلية أو الخصومة ذاتها دون المساس بموضوع الدعوى.

أهمية الدفوع الشكلية:

حماية الحرية القانونية: لا يجوز تقييد حرية الأفراد دون مراعاة الأصول النظامية.

تحقيق المساواة: تكفل المساواة بين الأطراف في التقاضي.

ضمانات إجرائية: تعزز من ضمانات الدفاع وتحمي الخصوم من الانتهاكات الإجرائية.

مرجعيتها النظامية:
ورد في النظام الأساسي للحكم بالمادة (36) التأكيد على عدم تقييد حرية الأفراد إلا وفق أحكام النظام. كما أشار نظام الإجراءات الجزائية في المادة (187) إلى بطلان أي إجراء مخالف للنظام أو يسبب ضررًا للمتهم.

 

المبحث الثاني: أنواع الدفوع الشكلية ومفاهيمها في النظام السعودي

تصنف الدفوع الشكلية بناءً على:

موضوع الدفع: مثل الدفع بعدم الاختصاص.

أثر الدفع على الدعوى: مثل الدفع المؤدي إلى عدم قبول الدعوى.

مرحلة الخصومة: مثل الدفوع الأولية والدفوع اللاحقة.

أبرز أنواع الدفوع الشكلية:

 الدفع بعدم الاختصاص

يمثل وسيلة لحماية الاختصاص النوعي أو المكاني للمحاكم، ويهدف لضمان نظر الدعوى أمام المحكمة المختصة بما يتناسب مع نوع الدعوى وظروفها وفق المواد (31-36) من نظام المرافعات الشرعية، والمادتين (13، 14) من نظام ديوان المظالم.

 الدفع ببطلان الإجراءات الجوهرية

يشمل الدفع بوجود عيوب في صحيفة الدعوى أو الإجراءات المتخذة، مما يؤدي إلى بطلان الخصومة. وقد نصت المادة (76) من نظام المرافعات الشرعية على وجوب تضمن الصحيفة بيانات جوهرية مثل:

اسم المحكمة.

بيانات الأطراف.

محل الإقامة.

موضوع الدعوى وطلبات المدعي.

كما نصت أن الإخلال بهذه البيانات يؤدي إلى بطلان الدعوى إذا لم يتم تصحيح الخطأ وفق النظام.

وفي نظام الإجراءات الجزائية، نصت المواد (35، 36، 102) على الدفع ببطلان القبض أو التوقيف أو الإجراءات الناتجة عن انتزاع الاعتراف بالإكراه.

 الدفع بسبق الفصل في الدعوى

يهدف إلى حماية الأحكام القضائية النهائية من تكرار النزاعات ذاتها وضمان الاستقرار القضائي، وفق المادة (200) من نظام المرافعات الشرعية التي تنص على:

“الأحكام التي حازت القطعية تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دعوى جديدة يكون موضوعها قد فصل فيه في حكم نهائي.”

 

أهمية الدفوع الشكلية في حماية النظام القضائي

ضمان عدم قبول الدعاوى غير المستوفية للشروط النظامية.

حماية الخصوم من الإنهاك القضائي أو التعرض لدعاوى كيدية.

تعزيز الثقة في القضاء من خلال تحقيق العدالة الإجرائية.

ضمان استقرار المراكز القانونية للأطراف.

 

إن الدفوع الشكلية ليست قيدًا تعسفيًا، بل هي وسيلة قانونية لضمان سلامة الإجراءات واحترام النظام القضائي، بما يعزز الوصول إلى العدالة ويكفل الحقوق للأفراد وفق أطر قانونية منظمة. ويؤكد ذلك بأن العدالة لا تتحقق فقط في الأحكام النهائية الصحيحة، بل أيضًا في اتباع الطرق القانونية المنضبطة للوصول إلى هذه الأحكام.

وتبقى هذه الدفوع من الوسائل الأساسية التي يجب على المحامين والمتقاضين إتقان استخدامها، كونها تُشكل حجر الزاوية في بناء قضايا قوية وحماية الحقوق، وتعزز مبادئ العدالة والشفافية التي تستند إليها المملكة العربية السعودية في نظامها القضائي.