رائد السمي

التصنيع التعاقدي في المملكة العربية السعودية: دراسة قانونية

التصنيع التعاقدي في المملكة العربية السعودية: دراسة قانونية

التصنيع التعاقدي في المملكة العربية السعودية: دراسة قانونية
التصنيع التعاقدي في المملكة العربية السعودية: دراسة قانونية
التصنيع التعاقدي في المملكة العربية السعودية: دراسة قانونية

تشهد المملكة العربية السعودية نهضة اقتصادية شاملة في ضوء رؤية المملكة 2030، التي تستهدف تنويع مصادر الدخل الوطني وتقليل الاعتماد على النفط، ويُعد القطاع الصناعي من أبرز القطاعات المساهمة في تحقيق هذا الهدف، لما له من قدرة على توليد فرص العمل وتعزيز الصادرات وتنمية الناتج المحلي.

وفي هذا السياق، يبرز التصنيع التعاقدي كأداة استراتيجية تسهم في تعزيز القدرة التصنيعية لدى الشركات، وتخفيف الأعباء المالية والإدارية عليها، وزيادة مرونتها في السوق. وتأتي هذه المقالة لتسليط الضوء على ماهية التصنيع التعاقدي وأبعاده القانونية في المملكة، وأبرز إيجابياته وتحدياته، بما يعزز الفهم القانوني والتطبيقي لهذا المجال.

 

ثانيًا: ماهية التصنيع التعاقدي

يمكن تعريف التصنيع التعاقدي بأنه:

“اتفاق تعاقدي مكتوب بين طرفين أو أكثر، يستعين بموجبه أحد الأطراف بجهة خارجية لتصنيع منتج أو جزء منه وفق مواصفات محددة، مع الالتزام بتوريد المعدات والمواد اللازمة لذلك، مع تحديد الحقوق والالتزامات التعاقدية للطرفين.”

ويمثل التصنيع التعاقدي خيارًا عمليًا للشركات التي تواجه قيودًا في المعدات أو الخبرات أو الموارد المالية اللازمة لإنتاج منتجات معينة، فتستعين بمصانع أو أطراف أخرى لإنجاز عمليات الإنتاج بالجودة المطلوبة.

 

ثالثًا: الإطار النظامي للتصنيع التعاقدي في السعودية

لا يوجد نظام موحد خاص للتصنيع التعاقدي نظرًا لتنوع أشكاله، إلا أنه يُنظم وفق الطبيعة القانونية للعقد:

إذا كان عقدًا تجاريًا: يخضع لنظام المحاكم التجارية (قرار مجلس الوزراء رقم 511 لعام 1441هـ).

إذا كان عقدًا مدنيًا: يخضع لنظام المعاملات المدنية (م/191 لعام 1444هـ).

إذا كان مع جهة حكومية: يخضع لنظام المنافسات والمشتريات الحكومية (م/128 لعام 1440هـ).

إذا كان ضمن القطاع الزراعي: يخضع لنظام الزراعة (م/64 لعام 1442هـ).

وعليه، فإن الإطار النظامي للتصنيع التعاقدي يتنوع بحسب القطاع والمجال والمخرجات المستهدفة.

 

رابعًا: أشكال التصنيع التعاقدي

يتخذ التصنيع التعاقدي عدة أشكال، أبرزها:

الإنتاج الكامل للمنتج: حيث يتم التعاقد مع مصنع خارجي لإنتاج منتج نهائي كامل وفق المواصفات المحددة، مع إمكانية وضع العلامة التجارية للجهة المالكة للمنتج.

استخدام معدات شركة أخرى: يتم الاتفاق على استخدام معدات طرف آخر لتصنيع منتجات معينة عند عدم توفر المعدات لدى الشركة أو لتقليل تكاليف الاستثمار في المعدات.

الاستعانة بالقوى العاملة: قد يتم التعاقد مع جهات خارجية لتوفير خبرات فنية أو قوى عاملة ماهرة لإنجاز عمليات تصنيع معقدة وفق معايير محددة.

 

خامسًا: الإيجابيات المرتبطة بالتصنيع التعاقدي

من أهم مزايا التصنيع التعاقدي:

خفض التكاليف: عن طريق تقليل الحاجة للاستثمار في المعدات والبنية التحتية.
زيادة القدرة التصنيعية: مما يعزز إنتاجية الشركة وقيمتها السوقية.
تنوع المنتجات: بفضل تعدد مصادر التصنيع وتوسيع نطاق الإنتاج.
تبسيط سلسلة التوريد: من خلال الاعتماد على مصنع واحد لإدارة التوريد.
تحسين الجودة: عند اللجوء لمصانع خارجية تملك خبرات متقدمة.
دعم التوسع والانتشار: عبر الاستفادة من شبكة توزيع المصنع المتعاقد معه.
تقليل المسؤوليات: مثل المسؤولية التشغيلية والتخزين والصيانة.

 

سادسًا: سلبيات التصنيع التعاقدي

رغم مزاياه، يواجه التصنيع التعاقدي تحديات، منها:

محدودية التحكم: في طريقة وأساليب الإنتاج داخل المصنع المتعاقد معه.
مخاطر اختيار الشريك: والتي قد تؤثر على جودة المنتج النهائي.
مخاطر الملكية الفكرية: حيث قد يتم استغلال التصميمات أو الأسرار الصناعية عند التصنيع خارج الشركة، ما يتطلب تضمين بنود لحماية الملكية الفكرية في العقد.

 

سابعًا: شروط التصنيع التعاقدي

لضمان نجاح التصنيع التعاقدي يجب مراعاة:

وجود عقد مكتوب واضح.
تحديد أطراف العقد بدقة.
تحديد المنتج أو الغرض المطلوب تصنيعه.
تحديد المواصفات والجودة المطلوبة.
بيان حقوق والتزامات الأطراف.
تحديد المسؤولية القانونية عند الإخلال.
تحديد القوانين المنظمة للعقد وفق طبيعته.

 

ثامنًا: الفرق بين التصنيع التعاقدي والاستعانة بمصادر خارجية

الاستعانة بمصادر خارجية (Outsourcing): مفهوم عام يشمل الحصول على خدمات أو منتجات من أطراف خارجية، سواء في التصنيع أو الخدمات أو الدعم اللوجستي.

التصنيع التعاقدي (Contract Manufacturing): يختص بإسناد عمليات التصنيع أو الإنتاج لشركاء خارجيين بموجب عقد محدد، بينما يظل التصميم والتسويق والملكية للمنتج بيد الشركة الأصلية.

 

يمثل التصنيع التعاقدي أداة استراتيجية داعمة لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030، حيث يسهم في رفع كفاءة التصنيع المحلي، وتقليل التكاليف، وتنويع المنتجات، ودعم النمو الصناعي، مع ضرورة مراعاة الأبعاد القانونية والتنظيمية والالتزامات المتبادلة لضمان تحقيق أقصى استفادة من هذه الأداة.

ولا شك أن التوسع في التصنيع التعاقدي يمثل خطوة متقدمة لدعم الصناعات الوطنية وتحقيق التنمية المستدامة في المملكة.