رائد السمي
البيع على الخارطة في المملكة العربية السعودية: الإطار النظامي وأهم الضوابط
يشكّل البيع على الخارطة أحد الأساليب العقارية الحديثة التي باتت تحظى بانتشار واسع في السوق السعودي، خاصة مع التوسع في تطوير المشاريع الكبرى. وقد أدرك المشرّع السعودي الحاجة لتنظيم هذا النوع من البيوع لما يحمله من فرص ومخاطر، فأصدر نظامًا خاصًا يُعالج تفاصيله بشكل دقيق.
ما هو البيع على الخارطة؟
هو بيع وحدة عقارية لم تُنشأ بعد، اعتمادًا على مخطط أو تصميم معتمد، مقابل دفعات مالية مجدولة بناءً على نسب الإنجاز. ويتيح هذا النموذج للمطور تمويل المشروع من أموال العملاء، وللمشتري اقتناء وحدة بسعر تنافسي قبل الاكتمال.
الإطار النظامي المنظّم
صدر نظام بيع وتأجير مشروعات عقارية على الخارطة بموجب المرسوم الملكي رقم (م/44) بتاريخ 10/3/1445هـ، والذي نسخ الأنظمة السابقة، وأصبح المرجع الوحيد المنظّم لهذا النشاط. ويشمل النظام:
البيع والتأجير على الخارطة
التسويق العقاري للمشروعات المستقبلية
تقديم خدمات التشغيل والصيانة المستقبلية
عرض المشاريع في المعارض
ويشترط النظام الحصول على ترخيص مسبق من لجنة “وافي”، التابعة لوزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان.
أهداف النظام
يرمي النظام إلى:
حماية أموال المشترين وضمان استخدامها في المشروع فقط
ضبط العلاقة التعاقدية بين الأطراف
تنظيم التسويق والإعلان
تعزيز الشفافية وثقة المستثمرين في السوق العقاري
ضمان تنفيذ المشاريع وفق الجداول والمواصفات المحددة
شروط الترخيص للمطور العقاري
للحصول على الترخيص، يُلزم النظام المطور بما يلي:
ملكية الأرض ورخصة بناء سارية
فتح حساب ضمان مصرفي
تقديم جدول زمني دقيق للتنفيذ
إشراف جهة استشارية هندسية معتمدة
تقديم عقود واضحة للمشترين تحدد جميع التفاصيل والحقوق
دور لجنة “وافي” الرقابي
تتولى اللجنة:
إصدار تراخيص البيع والتأجير
مراقبة الحسابات البنكية للمشروعات
مراجعة العقود والوثائق
استقبال شكاوى المستفيدين
فرض الجزاءات النظامية على المخالفين
وقد أظهرت اللجنة فاعلية عالية في ضبط السوق، ومنع الممارسات العشوائية وغير المرخصة.
العقوبات النظامية
ينص النظام على عقوبات صارمة، منها:
السجن حتى 5 سنوات أو غرامة تصل إلى 10 ملايين ريال أو كلتيهما
شطب المطور من السجل عند الإخلال بالشروط أو التأخير المتكرر
الإحالة إلى النيابة العامة حال وجود شبهة جنائية
وتشمل المخالفات:
البيع أو الإعلان دون ترخيص
تقديم مستندات أو عقود مضللة
استخدام أموال المشترين في غير المشروع
إصدار تقارير استشارية أو محاسبية غير صحيحة
ويُجيز النظام نشر الحكم على نفقة المخالف بعد اكتسابه الصفة النهائية، وفقًا لجسامة المخالفة وتأثيرها.
رؤية قانونية
يُعد البيع على الخارطة من أكثر الأنشطة العقارية حساسية، لتعلّقه بالتزامات مستقبلية تموَّل من أموال مقدَّمة مسبقًا. ومن هنا، فإن وجود إطار نظامي صارم يُعتبر ضرورة لا غنى عنها.
ومع أن النظام نجح في سد العديد من الثغرات، إلا أن التحدي الأكبر يكمن في تعزيز الوعي القانوني لدى المستفيدين، إذ كثيرًا ما يُوقّع المشترون العقود دون قراءة أو استشارة قانونية.
ولهذا، فإن إشراك محامٍ أو مستشار قانوني قبل الشراء، ومتابعة المشروع من خلال القنوات النظامية، يمثلان عناصر حيوية لضمان الحقوق.
البيع على الخارطة تجربة عقارية واعدة، لكنها تحتاج إلى التزام نظامي صارم، ورقابة فاعلة، ووعي قانوني شامل لضمان نجاحها واستدامتها. وقد شكّل النظام الجديد (م/44) خطوة تنظيمية متقدمة، تدعم استقرار السوق وتحمي حقوق جميع الأطراف.
نجاح هذه التجربة مرهون بتكامل أدوار الجهات الرقابية، وحرص الأفراد على التحقق، والاستعانة بالمتخصصين قبل الإقدام على التعاقد.